كشفت عدة وثائق عن فضيحة تورط “شركة إماراتية” في بيع عقارات مقدسية في البلدة القديمة في القدس، لمستوطنين يهود.
وبحسب تحقيق نشره موقع “الأخبار” اللبناني، فقد تكررت واقعة استيقاظ أهالي القدس، على وجود المستوطنين بينهم بدعوى أنهم صاروا ملاكًا قانونيين، تماما كما حدث مع نحو ثلاثين شقة، في وادي حلوة في سلوان، قبل قرابة عامين، أو مثل ما يحدث في حالات بيع مباشرة “الأسبوع الأول من مايو 2016” بعدما بات الأمر سهلًا ولا أحد يلاحق أو يحاسب.
وأفاد التقرير بأنه في البداية، كانت فرضيات هذا التحقيق مبنية على وقائع سابقة، أي أن الوثائق والعقود والسجلات التي تثبت عملية بيع جرت بين شخص فلسطيني يحمل الهوية “الإسرائيلية”، وإحدى العائلات المقدسية الشهيرة، ثم تنازل هذا الشخص عما اشتراه لشركة إماراتية.
تورط إماراتي
وأوضح التقرير، أن تورط شركة إماراتية، في شراء العقارات للمستوطنين، بدأت عام 2013، حينما وقّع شخص يدعى “فادي أحمد حسين السلامين”، الذي يحمل الجنسيتين الأميركية والإسرائيلية، عقد تأسيس شركة مع “مريم حسين نصار سلامين” “عمّته”، اسمها شركة “السرينا العالمية للتجارة والاستثمار”، على أن يدخل في نطاق عملها “الاستيراد والتصدير والأنشطة العقارية وتجارة الأغذية والمشروبات والتبغ”، وذلك في العاشر من سبتمبر من تلك السنة.
لكن عام 2013 يعني حدثًا مهمًا في حياة فادي السلامين، الذي كانت آخر زيارة له إلى مسقط رأسه في الخليل عام 2010؛ والحدث هو مرور سنتين على بدء الخلاف الكبير بينه وبين السلطة الفلسطينية، تحديدًا منذ 2011 عندما انقلب فادي على الإشارات الإيجابية التي حوتها صور جمعته برئيس السلطة، محمود عباس “2009 في المغرب”، وبرئيس الوزراء السابق سلام فياض “2008”، ثم بدأ شن هجوم لاذع على عباس تحديدًا، بعدما بات من “رجال محمد دحلان”.
ورغم الخلافات، فقد أظهرت الوثائق أنه في السادس والعشرين من الشهر نفسه “سبتمبر 2013″، مُنح السلامين، فادي ومريم، ترخيص عمل لدى السلطة “صادر عن مراقب الشركات في وزارة الاقتصاد الوطني”؛ فالمسافة الزمنية ما بين التأسيس والتسجيل، 16 يوما، قصيرة جدًا، مقارنة بما تحتاجه جمعية خيرية، فضلًا على أن تكون شركة تجارية، للحصول على تسجيل، قد يمتد إلى ثلاثة أشهر في حال كان صاحبها أجنبياً، بعد التحري والتدقيق والإجراءات الروتينية.
وكانت المفاجأة أن السلامين حصل على الترخيص بالرغم من أنه قدم نفسه على أن عنوانه هو بئر السبع “فلسطين المحتلة” ويحمل جنسية فلسطينيي الـ48 ومهنته “تاجر” وهو يقيم في الولايات المتحدة منذ كان عمره 14 سنة، ولا يحمل أي عضوية تجارية فلسطينية؟، علمًا بأنه يحتاج وفق القانون الفلسطيني إلى موافقة أمنية خاصة ليفتح شركة مرخصة في المناطق التابعة للسلطة.
والأكثر غرابة – حسب التقرير – أن أوراق التسجيل تظهر أن شريكته “مريم سلامين” تعمل “ربّة بيت”، ما يؤكد بلا شك أن ثمة يدًا خفية أسّست وسرّعت له هذا الترخيص!
لم يدم الوقت طويلا حتى تبين الهدف من هذه الشركة، الحاصلة على رقم ترخيص 562527804 برأسمال قيمته مئة ألف دينار أردني “49 ألفا لفادي و51 ألفا لمريم” ولا يظهر تسجيلها إلا في موقع فلسطيني واحد، ففي العشرين من نوفمبر من العام نفسه “2013”، تظهر وثيقة ثالثة أن السلامين قدم “تنازلا مسبقا” عن العقار المنوي شراؤه في القدس، وذلك لمصلحة شركة إماراتية تدعى “الثريا للاستشارات والبحوث”، ومقرها في أبو ظبي.
وتُظهر وثيقة رابعة أن هذه الشركة حصلت على رخصة تجارية لمدة عام، من “غرفة أبو ظبي التجارية” برقم CN-1222297، ولكن تأسيس “الثريا” المقدم في الرخصة، هو الثاني والعشرين من يونيو 2011، ورخصة العمل تبدأ من 1 يونيو 2015 حتى 31 أيار 2016، أي أنها سعت إلى ترخيص عملها في الإمارات بعد أربع سنوات من تاريخ تأسيسها، وأيضا تزامن ذلك مع تسجيل فادي العقار في وزارة القضاء “الإسرائيلية” مطلع هذا العام، علمًا بأن البحث في الإنترنت يبين أن هذه الشركة، أو الشركة الأمّ، حاصلة على رخصة سابقة في الإمارات، قبل سنوات عدة.
وكان نائب رئيس “الحركة الإسلامية”، كمال الخطيب، قد صرح عام 2014، بأن الإمارات متورطة في بيع البنايات القديمة للمستوطنين، وذلك في أعقاب اقتحام المستوطنون للشقق التي اشتروها في وادي حلوة في سلوان.
وأشار موقع “الأخبار” أن أحد عقود البيع جاء فيه “إن كلا من لمياء جودة، وابنها أديب جواد جودة “يحملان أرقام هوية القدس”، باعا قطعة أرض في البلدة القديمة في القدس “سجل 1015 صفحة 3035” إلى فادي السلامين، وعلى هذه الأرض مبنى مكون من ثلاث طوابق يحده من الشمال بيت فتح الله جودة ومن جهتي الجنوب والغرب طريقان، ومن الشرق “ورثة محمد بامية”، وفي الطابق الأول منه صيدلية والثاني مؤسسة “صندوق المرضى” الإسرائيلية، والاثنان مستأجران، وذلك بالاستناد إلى “حصر إرث” عن “المرحوم أديب عبد القادر جودة”، وثُمّن العقار بمبلغ 2.5 مليون دولار يُقدم على دفعتين، مع تحمل كل طرف الضرائب الموجبة عليها، خاصة الطرف الثاني “عائلة جودة” الذي يجب أن يدفع ضريبة “الأرنونا” لبلدية الاحتلال في القدس، ثم انتهى العقد بتوقيع الابن أديب”.
وأظهرت الخرائط أن المبنى يقع في إطار البلدة القديمة وهو يبعد عن المسجد الأقصى ثلاث دقائق سيرًا على الأقدام، ويمكن الدخول إليه من باب الساهرة، الذي يعتبر من الأبواب المهمة للمسجد.
ولا يزال العقار على حاله لجهة بقاء الصيدلية والمؤسسة الطبية فيه، في حين أن الطابق الثالث فارغ بدلالة نوافذه المكسورة والمهملة والأبواب المغلقة إلى الأعلى، ويؤكد بعض الجيران أن البيت عائد إلى عائلة جودة، ما يدل على أنهم لا يعلمون بعملية بيعه، كما لم يشر أحد إلى وجود سكان في الطابق الثالث.
الأهم أن نحو ثمانية بيوت من أصل عشرة في الشارع نفسه، سُربت إلى المستوطنين على مدار السنوات الماضية، فيما بات هذا الحي “عقبة درويش ضمن الحي الإسلامي” قابلًا للتحول إلى منطقة يهودية في ظل التسريب المتوالي والمباشر لليهود.
وخلال الايام الماضية، سرّبت عائلة اليوزباشي منزلًا في حي السعدية المجاور إلى جمعية “عطيرات كوهنيم” الاستيطانية، وهو لا يبعد سوى مئة متر عن المنزل الذي تملّكه فادي السلامين من عائلة جودة، وآل إلى شركة “الثريا” الإماراتية.