مشهدان شهدتهما مصر، في الأيام الأخيرة، متشابهان في ظاهرهما، ومتناقضان من الداخل؛ فالأول لفقراء الشعب وهم يتزاحمون من أجل كيلو أرز، والثاني للأغنياء الذين تجمهروا للاشتراك في أحد المشاريع الفخمة وشراء قطع أرض يبدأ المتر فيها بسبعة آلاف جنيه.

كيلو أرز

المشهد الأول، وقع بداية من يوم الأربعاء الماضي، خلال منافذ بيع معرض “أهلًا رمضان” بعدد من المحافظات، التي شهدت إقبالًا كثيفًا من المواطنين البسطاء، والذين أتوا من الصباح الباكر وتزاحموا أملًا في الحصول على كيلو أرز أو زجاجة زيت، هربًا من الغلاء الفاحش، بعد أن أعلنت الحكومة خفض أسعار السلع بداخله.

شهد معرض “أهلًا رمضان” تدافع الآلاف من الأسر داخل المعرض للحصول على السلع الغذائية قبل شهر رمضان بأسعار متوسطة؛ فبعد انتظار دام ساعات طويلة، افترشوا خلاله أرض المعارض بمدينة نصر.

مشروع فخم لأغنياء الشعب

والمشهد الثاني وقع صباح اليوم، تداول مغردون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، صورًا لتجمهر عدد من المواطنين في السادسة من صباح اليوم، أمام سيتي ستار، للتسجيل في مشروع شركة ماونتن فيو والذي يبدأ سعر المتر فيه سبعة آلاف جنيه.

ونشر أحد المغردين صورًا للتجمهر، وقال -عبر منشور له على “فيس بوك”-: “التجمهر ده الساعة ستة صباحًا النهارده قصاد سيتي ستار ودي مش مظاهرات ولا وقفات احتجاجية لا سمح الله دي الناس اللي جاية بدري تسجل اسمها وتاخد دور بدري علشان تشتري في مشروع شركة ماونتن فيو الجديد اللي اسمه “اي سيتي” اللي سعر المتر بيبدأ فيه من سبع تلاف جنيه.. حد فاهم حاجة”.

ناس هايصة وناس لايصة

وأعرب مغردون عن دهشتهم من الفجوة بين طرفي المشهدين؛ ففي الوقت الذي تزاحم الكثيرون من أجل شراء كيلو أرز بسبعة جنيهات، تزاحم آخرون من أجل شراء شقق سكنية يبدأ سعر المتر فيها سبعة آلاف.

وجاءت بعض التعليقات:

Lolla Amin –: هههههههههه ناس هايصة وناس لايصة على العموم ربنا يبارك لعبيده.

Tarek Fawzy Sharfaldeen –: ناس بتموت نفسها عشان الرز أبو ٤.١٠ جم وناس بتجري تلحق تحجز في المشروع أبو ٧ آلاف جم المتر، سؤال المتر يجيب كام كيلو رز؟.

Meshmesh Mohamed Hamoda –: حاجة تحرق الدم والله ويقولك الأسعار غالية ومفيش فلوس في البلد.

Soheir El Rewany –: بلد فقير وشعب غني معادلة مش مظبوطة ونشتكي من الفقر.

Abo Adam –: الفجوة زادت أوي بين ناس مش لاقية الرز، وناس واقفة طابور على المتر أبو 7000 جنيه.. ربنا يزيد ويبارك.

4 ملايين من الطبقة العليا في مصر

ويعلق الباحث الاقتصادي، مالك سلطان، على طوابير الأغنياء، التي تجمهرت اليوم من أجل الاشتراك في مشروع ماونتن فيو، بقوله: في مصر مواطنون من الطبقة الوسطى أو العليا وعددهم كبير نسبيًا، لا يقلون عن 4 ملايين إنسان، ويمثلون 5% من مشتركي المحمول بنظام فاتورة، لديهم حسابات ببنوك القطاع الخاص، ويشترون السيارات بما فوق الـ140 ألف، يمتلكون عقارات في الساحل الشمالي والعين السخنة، يعملون في القطاع الخاص داخل وخارج مصر.

وأضاف -عبر منشور له على “فيس بوك”- إن القطاع الخاص في مصر يوظف أبناء هذه الطبقة، مشيرًا إلى أن هذا القطاع “لم يقم بحملات رفد وتقليل نفقات ضخمة في أزمة 2009 وفي الخوف بعد 2011، فاستمرت ملايين تتقاضى مرتباتها وتسعى لشراء عقار بالتقسيط تدفع ثمنه من دخلها مستقبليًا”.

وأكد أن “من يملكون فوائض أموال في مصر من أبناء الطبقى الوسطى والعليا أغلبهم ليسوا رجال أعمال، بل أغلبهم مهنيون أو موظفون، لذا قدراتهم على توظيف أموالهم دون مخاطرة مرتفعة تكاد تنحصر في البنوك والدولار والذهب والعقار”.

وتابع: “المشروع مشترك بين شركة خاصة والحكومة؛ حيث الأرض مقدمة كمساهمة عينية من الحكومة، صدق أو لا تصدق ولكن هذا قد يكون عامل أمان لمن يريد شراء شقة؛ لأنه سيعني أن المشروع لو تعثر فقد تتدخل الحكومة كما حدث في مشروع دامك من قبل”.

وأشار إلى أن اقتصاد مصر يقدم بدائل محدودة لاستثمار أي فائض أموال لديك بشكل آمن نسبيًا، لذا في مصر بعض رجال الأعمال قد يحققون عوائد ضخمة؛ لأن المخاطرة ضخمة والإقبال على المخاطرة قليل في مجتمع المهنيين وموظفين الحكومة”.

واختتم “سلطان”: “طبعًا مصر فيها فلوس ولكن الفلوس مع مين وعددهم كام وكيف يمكن جعل الفلوس مساهمة في النمو الذي يساعد الفقراء؟ أسئلة صعبة وتقريبًا غير معروف إجابتها حتى للحكومة نفسها، لكن برضه أكيد أن اقتصاد حجمه 2800 مليار جنيه وموازنته الحكومية بتدفع مرتبات حكومية 200 مليار وفوائد ديون 300 مليار هو اقتصاد فيه فلوس”.