قال الكاتب الصحفي الدكتور محمد محفوظ :”إن من حق المعارضين السلميين – فعلاً وقولاً – الذين لم ترفع سواعدهم يومًا سلاح الإرهاب أو تنطق ألسنتهم يوما بالشتائم والسباب، من حقهم أن يعددوا ما رصدوه من إخفاقات للسيسي وحكومته، باعتبار أن دور المعارضة هو تعرية الفشل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتسليط الضوء عليه لتكتمل الصورة أمام جماهير المواطنين”.
وأضاف محفوظ في مقاله المنشور بموقع “البداية” :” إن هناك 4 أسئلة دراماتيكية ، قد تسهم الإجابة عليها في تقييم مدى ثقل كل من الإنجازات والإخفاقات على كفتي ميزان التقديرات”.
أولًا – “هل جمال مبارك كان سيقول ويفعل غير ما يفعله ويقوله لنا الرئيس السيسي ، لو تمكن من وراثة الحكم من أبيه ولم تقم ثورة ٢٥ يناير ؟
في تقديري ، كان جمال مبارك سيقول نفس ما يقوله الرئيس وسيفعل ذات ما يفعله الرئيس، ويستعين بنفس الرجال والنساء الذين يستعين بهم الرئيس .
فجمال مبارك ما كان ليفعل شيئا يختلف عما فعله أبيه ، أكثر من الحفاظ علي ذات النظام ولكن بوجوه جديدة ، وتكرار ذات السياسات ولكن بشعارات مختلفة .
ولعل نظرة سريعة إلى برنامج الحزب الوطني الديمقراطي لانتخابات مجلس الشعب لعام ٢٠١٠ ، ستوضح بأن منهج السيسي هو ذات منهج جمال مبارك ، ولذلك فكل المشروعات القومية التي افتتحها السيسي كان سيفتتحها جمال مبارك مع اختلاف بسيط ، يتمثل في تغيير اسم الرئيس على لوحة الافتتاح .
وبالتالي، فالسيسي لم يفعل حتى الآن إنجازًا ما كان ليفعله جمال مبارك . وإذا كان البعض يرى بأن السيسي يتفرد بإنجاز جديد يتمثل في : زيارة الكاتدرائية المرقصية، وركوب الدراجات ، والتصوير وسط الشباب ، والحديث العاطغي عن الشعب والمرأة والشهداء والتضحيات . فإن الرد بأن كل ذلك تسويق لذات البضاعة ولكن بغلاف جديد يناسب الأحوال والمقتضيات .
ثانيًا – “هل كان محمد مرسي سيقول ويفعل غير ما يقوله ويفعله السيسي ، لو لم تقم ثورة ٣٠ يونيه ٢٠١٣ ، واستمر في الحكم لنهاية فترته حتي ٣٠ يونيه ٢٠١٦ ؟
والإجابة : أليس كل الشباب الثوري – السلمي – كان بالضرورة سيقبع في سجون مرسي، مثلما يقبع الآن في سجون السيسي .
أليس جزءً من سيناء كان مرشحا للانضمام إلى غزة في عهد مرسي ، مثلما انضمت جزيرتي تيران وصنافير للسعودية في عهد السيسي .
أليس قِسماً من وثائق مصر السيادية السرية كان سيظل يتسرب إلى قطر بعلم مرسي ، مثلما تم استخدام جزء من الوثائق المصرية السيادية السرية لتبرير تبعية تيران وصنافير للسعودية بعلم السيسي .
أليس مجلس النواب الذي سيطر عليه الإخوان ومن بعده مجلس الشورى لدعم مرسي ، لا يختلف كثيرا عن مجلس النواب الذي يسيطر عليه إئتلاف دعم الدولة لدعم السيسي.
أليس الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب في نظام السيسي ، هو مجرد نسخة مكررة من الدكتور سعد الكتاتني رئيس مجلس النواب في نظام مرسي .
أليس حصار نقابة الصحفيين وترويع مجلسها في ظل صمت عميق من السيسي ، مثل حصار مدينة الإنتاج الإعلامي في ظل صمت ثقيل من مرسي .
أليس استبعاد كتاب ومذيعين نتيجة الضغط علي مؤسساتهم الإعلامية في عهد السيسي ، هو نفس ما كان يحدث في عهد مبارك ، وذات ما كان سيحدث في عهد جمال مبارك لو استقر على الكرسي ، وعين ما حدث وكان سيستمر يحدث في عهد مرسي لو استمر علي ذات الكرسي .
أليس توريط باقي السلطات لتهجر حضن الدولة وتتأبط ذراع النظام ، من خلال تذويب الفواصل بينها ودفعها إلى التواطؤ مع بعضها . أليس ذلك هو خطيئة مبارك التي استفحلت ، وخطة مرسي التي تحطمت . ورغم ذلك يعيد النظام الحالي بناء جسور التواطؤ التي ظننا عقب ثورتين أنها تهدمت .
أليس .. وأليس .. وأليس …
ثالثًا – “هل بمثل تلك الإنجازات تتثبت الأوطان وتعلو في مدارج التحضر والإنسانية ؟
والإجابة بكل بساطة ، بأنه لو كانت الإنجازات الحقيقية بعد عامين من حكم السيسي أو بعد ٣٠ عاما من حكم مبارك ، أو الإنجازات الافتراضية بعد ٦ أعوام من حكم جمال مبارك أو بعد ٤ أعوام من حكم مرسي .. لو كانت هذه الإنجازات تتمثل في الطرق والكباري ، والإسكان الاجتماعي ، والرقعة الزراعية ، والكهرباء التقليدية والنووية ، ومنظومة التموين والخبز والسلع الغذائية .. فكل ذلك بدون استثناء فعله مبارك من قبل ، أو وضع أفكار وقواعد فعله جمال مبارك وحوارييه . ولكن كل ذلك لم يحم نظام الأب والابن من السقوط ، لأنهما احتقرا الديمقراطية ، واستخفا بالمعارضة ، واستعانا بعصا الأمن لمواجهة المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
أقام مبارك بنية طرق وكباري مهولة ، وبنية اتصالات سلكية ولاسلكية متقدمة ، ومشروعات عملاقة في توشكي وشرق العوينات وغرب السويس ، ومنتجعات سياحية عالمية في شرم الشيخ والغردقة . وأنشأ مدنا جديدة وموانئ ومطارات ومحاكم ومدارس وجامعات . وعزز وجود مصر الدولي في دول الست قارات من خلال شبكة عالمية من القنصليات والسفارات . ووقع مئات وآلاف المعاهدات والاتفاقيات . وتحصَّل على مئات مليارات الدولارات واليوروهات من المنح والمساعدات .
٣٠ عاما من التحديث ؛ المقتصر على البناء والإنشاء ، المتغافل عن تطوير نظم الإدارة بجودة الأداء وكفاءة التشغيل ومكافحة الفساد ، المعادي للعدالة والحريات باعتبارهما مزايدات .
وبالطبع كل ما فعله مبارك من انجازات ، كان سيكرره جمال مبارك لو مضى قطار التوريث ، وكان سيفعله مرسي لو قضى سيف التمكين .
ولذلك، ورغم كل إنجازات مبارك قامت الثورة في ٢٥ يناير ، واستمرت في ٣٠ يونيه ، لبناء الديمقراطية وليس للتحايل عليها ، أو للتفاوض على أي من عناصرها تكون له الأولوية .
ولذلك أيضا ، تبدو إنجازات السيسي بعد عامين وكأنها استكمال لنفس السطر الذي انتهى عنده مبارك ، مع محو بالأستيكة لكل المطالب الثورية .
فالواقع يقرر بأن ٩٩ ٪ مما يفعله السيسي لم يطالبه به الشعب .
بينما ٩٩ ٪ مما لم يفعله السيسي هو الذي يطالبه به الشعب .
مايفعله السيسي ربما كان سيكون مهضوما – بعلبة فوار – لو كانت رئاسته في ظل ظروف طبيعية .
ولكن ، عندما تكون رئاسته بعد ثورتين ، فليس عليه إلا أن يتصدي قبل كل شيء لحل مشاكل الناس المزمنة اليومية ، ويغلف كل ذلك باحترام العدل والحرية .
لم تقم الثورة لأن الكهرباء كانت شحيحة أو تنقطع في عهد مبارك . ولو أنها وللأمانة ما كانت مقطوعة ولا ممنوعة .
ولم تقم الثورة لأن قناة السويس كانت فرعا واحدا . ولو أنها وللأمانة امتلكت تفريعتها الأولى في عهد الرئيس السادات .
ولم تقم الثورة لأن المصريين يتحرقون إلى عاصمة إدارية جديدة أو مفاعل نووي أو حاملة طائرات .. أو .. أو .. .
ولم تقم الثورة لأن مبارك لم يكن يطلق المشروعات العملاقة ، ولم يكن يزرع الصحراء ، ولم يكن يبني عشرات آلاف المساكن ، ولم تكن له علاقات خارجية مستقرة مع معظم دول العالم .
ولكنها قامت لأن كل ما فعله مبارك كانت تنقصه الكفاءة وتخاصمه الجودة ويسكنه الفساد ، بسبب غياب العدل وكبت الحريات .
وإلا لو كان الانجاز يعني فقط كل ما يفاخر به الرئيس من إنشاءات ، فليترشح إذن اللواء كامل الوزير في الجولة القادمة للانتخابات الرئاسية .
ولو كان الإنجاز محوره الانتهاء من حفر تفريعة قناة السويس أمام الاسماعيلية ، أو كان مضمونه ما يتم التسويق له بأنه معجزة الكهرباء الأسطورية ، فلنجري قرعة إذن بين الدكتور محمد شاكر والفريق مهاب ماميش لنختار واحد منهما لرئاسة مجلس الوزراء .
ولذلك أتحسر على حال المواطن الذي سيشاهد فيديو: مصر في عامين الذي أطلقه المكتب الإعلامي للسيسي في كافة وسائل الاعلام . فبينما سينبهر بالموثرات المرئية والجرافيكية والصوتية والتصوير والمونتاج والإخراج . إلا أنه عقب نهاية الفيديو سيخرج إلى بلكونته أو يطل من شباكه ، فيطالع أكوام الزبالة المتعفنة المتراكمة على جنبات الطريق ، وفوضى المرور الطاحنة في نهر الطريق ، وكم الإشغالات المزمنة على الرصيف ، والعقارات المجاورة التي تم بيعها ثم هدمها لكي تتحول إلى أبراج بدون ترخيص . وسيشرد للحظات فيتذكر .. الدعوى القضائية التي رفعها في المحاكم ومازالت محلك سر منذ سنوات . والمحضر الذي حرره لتعرضه للسرقة ولم يتم ضبط السارق أو المسروقات منذ سنوات .. و .. و .. .
وسيبحث هذا المواطن أثناء تعامله مع مؤسسات الدولة في قادم الأيام ، عن خطوة واحدة تمت على طريق إصلاح هذه المؤسسات التي يقول الرئيس بأنه تمت إستعادتها وأنه يجاهد لعدم سقوطها والحفاظ على مقدراتها . ولكنه لن يجد هذه الخطوة قد انطلقت أو حتى أوعزت بالانطلاق . ببنما تنطلق في سماء مصر الرافال ، وتتهادى على مياه بحارها الميسترال .
وبالتالي ، فإن الإنجازات المقتصرة – في غالبيتها على الإنشاءات ، المخاصمة للعدل والحريات ، المتغافلة عن إيجاد حلول – أي حلول – لما تعطن وتعفن من مشكلات . هي إنجازات ستأكلها حتما هذه المشكلات التي تتوالد وتترعرع في كنف غياب العدل . عدالة التوزيع وعدالة التوظيف وعدالة إنهاء المنازعات . عدالة لا تعرف التمييز بسبب الجنس أو الدين أو حزبية الانتماء . وهي أيضا إنجازات ستبتلعها المشكلات التي تتثبت وتتجذر وتترسخ في ظل قمع الحريات . حرية العمل الحزبي والنقابي . حرية المجتمع المدني . حرية الإعلام . حرية النقد والتعبير . حرية الإبداع . حرية البحث الأكاديمي والابتكار . حرية الاعتقاد .
الحكمة الباقية تقرر ، بأنه لا يمكن إنجاز أي تعلية فوق مبنى أساساته متصدعة متضعضعة واهية ، لأن النتيجة الحتمية ستكون انهيار المبنى وسقوطه بكل ما تم فوقه من تعلية .
ولكن للأسف ، لا يأبه السيسي بالأساسات ، بل ينطلق لسطح المبنى ليباشر التعلية ، وإن حانت منه إلتفاتة للأدوار السفلية والبدروم ، فهي لمجرد ترميم الحوائط وبياضها دون أدنى اهتمام بتقوية الأعمدة .
رابعًا – ” لماذا لا يأبه الرئيس بتصدع الأساسات ويستمر في التعلية ، متجاهلا أهداف ثورة أولى وثورة ثانية ؟
ولعل الإجابة لا تمثل تفتيشا في النوايا ، ولكنها – وبكل أسف – ناتجة عن تحليل لواقع الحال من عدة زوايا .
وذلك الواقع يقرر بأن ٢٥ يناير في عرف السلطة الحاكمة ، هي مجرد مؤامرة .
بينما ٣٠ يونيه في عقل السلطة الحاكمة ، هي مجرد إجهاض للمؤامرة .
وبالتالي ، الثورة الأولى وضعت دولة ٥٢ في وضع إنسحاق .
أما الثورة الثانية فكانت لاستعادة السلطة – مرة أخرى – لصالح دولة ٥٢ صاحبة الاستحقاق .
وهذا يوضح بأن أهداف ٢٥ و ٣٠ لا تدخل ضمن حسابات سلطتنا الحاكمة .
ولذلك ، فإن قاعدة انطلاقها هي ٢٤ يناير ٢٠١١ ، وفزاعتها المنتصبة لتكريس مخاوف الشعب وهواجسه هي ٢٩ يونيه ٢٠١٣ .