شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

تسريب الامتحانات وفشل التعليم

تسريب الامتحانات وفشل التعليم
ظاهرة تسريب امتحانات الثانوية العامة صارت من الأهمية والجسامة بحيث لا يمكن لمهتم بالشأن العام في مصر تجاهلها، وتنبع أهميتها من الدور المحوري الذي يلعبه امتحان الثانوية العامة في النظام التعليمي المتهرئ وفي مصائر البشر في مصر.

ظاهرة تسريب امتحانات الثانوية العامة صارت من الأهمية والجسامة بحيث لا يمكن لمهتم بالشأن العام في مصر تجاهلها، وتنبع أهميتها من الدور المحوري الذي يلعبه امتحان الثانوية العامة في النظام التعليمي المتهرئ وفي مصائر البشر في مصر.

أول الملحوظات المهمة هي شطارة المسربين وبراعتهم في التسريب. فبينما كان الحكم العسكري يجيش الطائرات الحربية لنقل نماذج الأسئلة وكأنه يدك حصون أعداء الوطن بالسلاح الثقيل، كانت نماذج الأسئلة، والإجابات أحيانًا، تصل قبل أسطول الحكم العسكري عبر الفضاء الرقمي الفسيح رغم استحكامات الحكم العسكري المتبجح بقدارته الأمنية التي لا تتعدى البطش الغاشم بالأبرياء باستخدام العتاد الثقيل والرجال بلا ضمائر.

إن هذه البراعة دليل واضح على القدرة على الإبداع الكامنة في المصريين، لا سيما أجيال الشباب التي يسعى الحكم التسلطي الفاسد لقتلها بالعنف الباطش كما بالعصف بإمكانات المعرفة من خلال التعليم والإعلام المُدارين بالعهر والظلم والفاشلين بالنتائج المطلوبة لنهضة الوطن.

ولكنني أظن المعركة كانت محسومة منذ البداية. وكذلك هي بالمناسبة المعركة بين الحكم التسلطي الفاسد والأجيال المتجددة من شباب مصر على إجهاض الثورة الشعبية العظيمة أو انتصارها الذي أراه حتميا. فهي أشبه بمعركة بين ديناصورات هائلة الحجم وبطيئة الحركة وشبه منعدمة المخ، ونسور ذكية محلقة في الفضاء الرحب.

انتصار المسربين أيضا دليل على انهيار قدرة الدولة الباطشة بالحقوق والحريات على محاربة فعالة للظاهرة. يمكنهم بناء السجون وتلفيق التهم والعبث باستقلال القضاة وضمائرهم، ومع ذلك لن يستطيعوا قهر شباب مصر المتجدد دوما والذي صار عصيا على التدجين، ولن يقدروا على كبت إبداعهم النضالي في معركتهم المستمرة ضد الظلم والقهر.

حتى لا يساء الفهم، لست، من حيث المبدأ، مع الغش في التقييم التعليمي. ولكن يتعين أن نفهم أن انتصار التسريب هو نوع من الغش المضاد للغش الحكومي في التعليم وفي عموم المجتمع الذي ينشئه ويقويه نظام الحكم التسلطي الفاسد. إنه نوع من انتصار اللص الشريف المناهض للص الأكبر إن شئتم.

معركة المسربين وانتصارهم أيضا تعبير عن انعدام الثقة بنسق التعليم وعلاقته بالمجتمع وغياب العدالة فيه وقلة جدواه وانعدام جدوى الاستقامة في ظل المحسوبية وأشكال الفساد الأخرى.

فالنظام التعليمي برمته، وخاصة في علاقته بسوق العمل وبالمزايا المترتبة على العمل، قائم على الظلم الاجتماعي في جميع نواحيه وجنباته. فالتفوق في النظام القائم بمعيار الحصول على الدرجات الأعلى في الامتحانات، بما في ذلك إمكان شراء الامتحانات والغش، رهن بالمقدرة المالية لأهل الطلاب، الأمر الذي يخل جسيما بتكافؤ الفرص بين أبناء الأمة ويعاقب الشباب من أبناء المستضعفين على فقر أهاليهم. وحتى إذا نجح ابن الفقراء في التفوق بمقدرته، بمعايير النظام، على الرغم من النظام وليس بسببه، فإن مستويات أعلى من الظلم في المجتمع الأوسع تمنعه من التمتع بميزة الصعود الاجتماعي التي تترتب على التفوق التعليمي في المجتمعات السوية، ولست بحاجة لتذكيركم بمقولات وسياسات الحكم التسلطي القائم بشأن التعيينات في السلك القضائي ومنعها عن ابناء المستضعفين ولو تفوقوا مثلا.

والأدهى أن الحكم العسكري الراهن يمعن في تمتين شبكة الظلم في النظام التعليمي وليس أدل على ذلك من عقد لجان امتحانات خاصة بأبناء الجيش والشرطة، وهو امتياز لا يمكن تبرئته عن التمييز بإمكان الغش أو المحاباة من المراقبين والمصححين.

ومع ذلك، يتعين أن نفهم أنه لن ينهض مجتمع، خصوصا في القرن الحادي والعشرين حيث صار اكتساب المعرفة هو معيار التقدم البشري، إلا بالاستثمار الكثيف في رأس المال البشري وقوامه التعليم المُيسّر عالي الجودة. ولا مناص من أن يقوم مثل هذا النظام التعليمي على العدالة من ناحية وعلى إثابة الاجتهاد والكفاءة من ناحية أخرى. وهو بالضبط ما لا يكل السلطان البائس من تكرار التأكيد على أن حكمه غير راغب فيه ولا بقادر عليه. فليس في مقدور عقولهم الديناصورية تصور للنهوض غير بناء الطرق والجسور وربما الأنفاق ومحطات الكهرباء التي تنشئها شركات أجنبية بتكليف باهظة وبقروض تثقل كاهل الشعب باجياله الحالية والمستقبلية. ناهيك عن سفه تبذير مال الشعب في شراء السلاح الثقيل للتباهي والتفاخر الاجوف والذي لن يفيد في معارك النهضة، التي سلاحها الأهم هو اكتساب المعرفة. وأملا في يوم قادم، إنتاجها.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023