يُدفن اليوم في لويفيل، بولاية كنتكي، الملاكم محمد علي الذي اختير يوماً «أعظم رياضي في القرن العشرين». هو قال أنه بقي يردِّد أنه أعظم رياضي حتى صدّقه العالم كله.
كان لقب محمد علي الآخر هو «شفة لويفيل»، والأقرب باللغة العربية «لسان لويفيل» لأنه كان لا يتوقف عن الكلام أو الصراخ أو المفاخرة. وهو حاول الشعر أو ما نسميه الزجل، في مواجهة بعض خصومه في المباريات. ما قال عن مباراة مانيلا سنة 1975 كان: مباراة إثارة ملأى مهارة. أعصاب فوّارة. ولأني في مانيلا سأقتل الغوريلا.
رأيت محمد علي مرتين، الأولى في أولمبياد روما سنة 1960 فقد قُبِلتُ في الجامعة، وأعطتني والدتي ألف ليرة لبنانية مكافأة، ما لا يشتري فنجان قهوة الآن، وذهبت مع صديق إلى روما وهو أصرّ على أن نرى بعض مباريات الملاكمة، ورأينا كاسيوس كلاي يفوز بالميدالية الذهبية في الوزن «الثقيل الخفيف». رأيته مرة ثانية في حفلة توزيع جوائز لمنتدى الاقتصاد العالمي في دافوس في كانون الثاني (يناير) 2006 إلا أن مرض باركنسون كان قد هدَّ كيان الشاب الوسيم الذي عرفته قديماً، فلم يتحدث وإنما نابت عنه ابنته. هو جاء إلى لندن سنة 1963، وهزم الملاكم البريطاني هنري كوبر في مباراة، وكنت في لندن إلا أنني لم أكن أملك ثمن تذكرة للمباراة.
أذكر أنه اعتنق الإسلام سنة 1963، وكان نشطاً في حركة الحقوق المدنية بعد ذلك مع مارتن لوثر كينغ، وصديقاً لمالكوم أكس. هو غيَّر اسمه إلى محمد علي وقال أن كاسيوس كلاي كان اسمه وهو عبد.
لم يكن مجرد رياضي وإنما كان صاحب مبدأ، وهو بعد أن فاز بلقب بطل العالم في الملاكمة للوزن الثقيل هازماً سوني ليستون سنة 1964 رفض أن يذهب ليحارب في فيتنام، وقال لماذا عليه أن يذهب عشرة آلاف ميل ليحارب قوماً من السمر فيما السود في مسقط رأسه لويفيل يُعامَلون كالكلاب.
محمد علي جُرِّدَ من لقبه وحُكِم عليه بالسجن ولم يُسجَن، ثم نال عفواً واستردَّ لقب بطل العالم سنة 1974 بعد أن هزم جورج فورمان في كينشاسا. هو خسر اللقب أمام ليون سبنكس في الشهر الثاني من سنة 1978 واستردّه في الشهر التاسع. فكان أن فاز بلقب بطل العالم في الملاكمة للوزن الثقيل ثلاث مرات.
كان ظريفاً حتى وهو يتفاخر، وقال يوماً إنه سريع إلى درجة أن يطفئ الضوء في غرفته في الفندق، ويدخل الفراش قبل أن يسود الغرفة الظلام. وقال مرة إنه صارع تمساحاً، وقاوم حوتاً، ووضع البرق في قيد معدني، وأنه عنيف إلى درجة أن يصيب الدواء بالمرض.
محمد علي هزمه مرض باركنسون في العقود الثلاثة الأخيرة من حياته، إلا أنه قبل ذلك تزوج أربع مرات فكان له تسعة أولاد وبنات. وأثار زواجه الرابع بيولاندا وليامز، التي اشتهرت باسم «الدلع لوني»، عاصفة احتجاج من أسرته، وقاطعه ابنه محمد علي الصغير وأخوه رحمان علي، وكان ملاكماً أيضاً. أسجل للملاكم الراحل أن بناته جميعاً حملن أسماء عربية وإسلامية.
وقرأت أن بيل كلينتون وبيلي كريستل وجورج فورمان سيشاركون في الجنازة وسيغيب باراك أوباما لأن الجنازة تتزامن مع حفلة تخرج ابنته ماليا. ولو استطاع كل مَنْ أحبَّ محمد علي الحضور لضاقت بهم لويفيل.