لا تزال أصداء أزمة نقابة الصحفيين متواصلة منذ إبريل الماضي، فبعد أن كان الصحفيون المحسوبين على معسكر السيسي، هم قلم النظام الحالي ومروجي أحداث 30 يونيو، وفي الصفوف الأولى للمباركين بالإطاحة بنظام الإخوان، أصبحوا الآن مطاردين ويعاملون معاملة سيئة، وعندما وصل الأمر لتحويل نقيب الصحفيين للمحاكمة، توحد جميع الصحفيين للدفاع عن النقابة، وانضم إليهم المعارضين للنظام، مما دفع بجبهة الدفاع عن الصحفيين، ولجنة الحريات في النقابة، لدعوة الصحفيين للاعتصام أمام محكمة عابدين في القاهرة، السبت القادم، يوم محاكمة نقيب الصحفيين يحيى قلاش.
في الوقت نفسه، انضم ما تبقى من الصحفيين المعارضين للنظام، للوقوف مع قضية نقابتهم، فرغم أن نقيب الصحفيين كان ممن دعموا السيسي سابقًا، إلا أن النظام لم يلبي مطالبهم، والتي منها إعادة حقوق الصحفيين المفصولين من صحفهم تعسفيًا، وعدم إخلاء سبيل زملاءهم المحبوسين بتهم سياسية ونشر، وآخرها عدم الوصول لحل في أزمة النقابة الأخيرة، والإصرار على تحويل قلاش للمحاكمة، لذلك أعلنوا أنهم لن يقفوا ساكنين أمام الظلم الذي تعرض له الصحفيين بما فيهم النقيب.
ونرصد لكم في هذا التقرير، مراحل أربعة للصحفيين المصريين الذين تحولوا من أقلام تسبح بحمد السلطة إلى مطاردين.
دعم تظاهرات 30 يونيو والسيسي
تنافست الصحف المصرية على دعم الإطاحة بالدكتور محمد مرسي من حكم مصر، حيث سارعت على نقل أنباء ما انتهت إليه الأيام الأخيرة من عملية الإطاحة، كما تناقلت تفاصيل البيان الذي ألقاه عبدالفتاح السيسي.
كما تصدرت عناوين الصفحة الأولى من صحيفة الأهرام الرسمية، أنباء عما حدث في كواليس القصر الجمهوري في الساعات الأخيرة من حكم مرسي.
وجاء في عناوين الصفحة الأولى: “الرئيس استشاط غضبًا بعد قراءة مانشيت الأهرام، وقرر توجيه خطاب إلى الشعب”، في إشارة إلى الخطاب الأخير الذي ألقاه مرسي مساء الثلاثاء في الثاني من يوليو2013م، وأكد فيه على تمسكه بالشرعية وبمنصبه.
وتحدثت عناوين الأخبار أيضًا عما تضمنته خارطة المستقبل في البيان الذي تلاه السيسي بحضور عدد من الرموز السياسية والدينية والناشطين السياسيين.
وجاء العنوان الرئيسي في صحيفة الأخبار ليقول: “وانتصرت ثورة الشعب .. سقوط مرسي والإخوان وإعلان خريطة المستقبل”.
وكتب محمد حسن البنا، رئيس تحرير الجريدة يقول: “اليوم تبدأ مصر عهدًا جديدًا، وضع أساسه مساء أمس بيان القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول عبدالفتاح السيسي .. لبى الجيش نداء أبناء الوطن، وأهدى السبيل الصحيح إليهم، بعد أن وقفوا على مفترق طرق لا يعلمون منتهاها”.
أما صحيفة الجمهورية، فجاء عنوانها الرئيسي: “وانتصرت شرعية الشعب”.
ووصفت البيان الذي تلاه السيسي مساء الأربعاء، الثالث من يوليو بـ”التاريخي”، مشيرة إلى ما جاء فيه بأن القوات المسلحة ستظل بعيدة عن العمل السياسي، وأن رئيس المحكمة الدستورية يدير شؤون البلاد، وأن الدستور قد عُطِّل العمل به مؤقتًا، في حين أن الرئيس المؤقت، وهو رئيس المحكمة الدستورية العليا، له سلطة إصدار إعلانات دستورية.
وتصدرت صحيفة الوفد العناوين التالية: “الشعب أسقط مرسي.. والجيش أنقذ الثورة”.
وأشارت الصفحة الأولى إلى بيان صدر عن حزب الوفد يؤكد فيه على “أن النظام الساقط عليه الاستسلام لإرادة الأمة”.
كما نقل تصريحًا عن رئيس الحزب، السيد البدوي، يؤكد فيه أن الحزب كان طرفًا أصيلاً في مبادرات لتجنب مخاطر الانقسام.
وجاء العنوان الرئيسي في صحيفة المصري اليوم ليقول باللهجة المصرية: “حمدًا لله على السلامة يا مصر! عزل مرسي بأمر الشعب”.
مرحلة الدعم
وواصلت الصحف المصرية دعم سياسيات السيسي وقراراته، ومواصلة قوات تصفية المدنيين، ورغم الخسائر التي يتكبدها الجيش والشرطة في سيناء والتي لم تحدث في التاريخ العسكري المصري، تخرج علينا بين فترة وأخرى مانشتات” إعلان سيناء خالية من الإرهاب”، بالتزامن مع موافقة مجلس النواب بأغلبية الأعضاء على قرار السيسي بمد إعلان حالة الطوارئ في شمال سيناء، حيث وافق 340 نائبًا على قرار مد حالة الطوارئ في محافظة شمال سيناء بينما رفضه 6 آخرون.
مرحلة القمع
وشهد مقر نقابة الصحفيين في عهد السيسي مظاهرات ضد حبس الصحفيين وتقييد الحريات، ففي 15 أبريل الماضي، شهدت النقابة احتجاجًا حاشدًا ضد ما تعتبره قوى سياسية “تنازلاً” من مصر عن جزيرتي “تيران” و”صنافير” في البحر الأحمر إلى السعودية، واعتبر علامة فارقة على انتهاء الوئام بين النظام والقوى التي خرجت في “مظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013م”، التي اتخذها قادة الجيش مبرراً للإطاحة بمرسي.
وفي 25 أبريل الماضي، حاصرت قوات الشرطة المصرية مقر نقابة الصحفيين، وحالت دون تنظيم احتجاجات كانت مقررة أمام المقر في هذا اليوم، على خلفية أزمة جزيرتي “تيران” و”صنافير”.
يوم الأحد الأول من مايو2016م، قامت قوات الشرطة بمنع العمال من التظاهر صباحًا من التظاهر على درج النقابة، بالتزامن مع يوم العمال العالمي، وفي المساء اقتحمت مقر النقابة؛ لإلقاء القبض على اثنين من الصحفيين هما: “عمرو بدر”، و”محمود السقا”، اللذان كانا معتصمين هناك؛ احتجاجًا على مداهمة قوات الأمن لمنزليهما بعد إصدار نيابة أمن الدولة العليا قرارًا بضبطهما وإحضارهما، بتهمة “التحريض على التظاهر” في الاحتجاجات المتعلقة بجزيرتي “تيران” و”صنافير”.
واقتحام الأمن لمقر النقابة كان سابقة تحدث للمرة الأولى منذ إنشائها؛ ما تسبب في موجة غضب عارمة في أوساط الصحفيين؛ خاصة أنه وقع قبل يومين فقط من “اليوم العالمي لحرية الصحافة”، الذي احتفل به العالم.
التصعيد ثم محاكمة النقيب
في 4 مايو الجاري، كانت بداية تصعيد الأزمة بعدما دعت نقابة الصحفيين لعقد اجتماع طارئ لجمعيتها العمومية، وخرج بعدد من القرارات أبرزها: “الإصرار على طلب إقالة وزير الداخلية، تقديم رئاسة الجمهورية اعتذارًا واضحًا لجموع الصحفيين عن جريمة اقتحام النقابة ومحاصرة المقر”.
ودعت أيضًا، لعقد مؤتمر عام بمقر النقابة الثلاثاء 10 مايو، وبحث إضراب عام لجميع الصحفيين، منع نشر اسم وزير الداخلية، والاكتفاء بنشر صورته “نيجاتف”، ودعوة جميع الصحف المصرية والمواقع الالكترونية لتثبيت لوجو “لا لحظر النشر”، وتسويد صفحاتها الأولي في عدد الأحد 8 مايو”، ووقتها أعلنت جميع الصحف التزامها بقرارات الجمعية العمومية.
وظهرت بعد ذلك ملامح التراجع، حيث بدأ بعض الصحفيين في الانقضاض علي قرارات اجتماع الجمعية العمومية، حيث خالفتها جريدة الأهرام، ونشرت أخبارًا تشكك في قرارات النقابة، وقالت في صفحتها الأولي: “فشل الجمعية العمومية للصحفيين وتحويلها لاجتماع.. وأغلبية رؤساء الصحف يرفضون الاحتجاب”.
كما خرج البعض ممن ينتمون لمهنة الصحافة والإعلام، عن الخط الذي تتبعه النقابة، وتبنوا موقف الدفاع عن وزارة الداخلية في أزمتها مع الصحفيين، وأعلنوا أن قرارات الجمعية العمومية للنقابة غير ملزمة لهم، ولا تمثلهم، وأبرزهم أحمد موسي ومصطفى بكري.
ولم تلتزم بعض الصحف بتسويد صفحاتها الأولي في أعدادها في 8 مايو، مثل الوفد والشروق والمصري اليوم.
تجاهل عبدالفتاح السيسي أزمة الصحفيين مع وزارة الداخلية، وفي أول ظهور له، بعد اقتحام النقابة، خلال مشاركته في احتفالية إطلاق شارة بدء حصاد محصول القمح بالفرافرة في 5 مايو، ولم يقدم اعتذارًا، ولم يلتفت لمطالبهم بإقالة الوزير.
وبعد هذا التجاهل، وهجوم البعض علي الصحفيين بسبب مطالبتهم للرئيس بالاعتذار، خرجت بعض الأصوات في مجلس النقابة تقول، إنها طالبت مؤسسة الرئاسة بالاعتذار، وليس الرئيس، كما أنهم يطالبونه بالتدخل لحل الأزمة.
وشهدت جلسة البرلمان في 8 مايو، حملة هجوم شرسة وضارية علي نقابة الصحفيين، من قبل أعضاء مجلس النواب، وأعلن بعضهم خلال كلمته عن رفضهم التام لأن يقوم البرلمان بدور في حل الأزمة، وحرضوا ضد الصحفيين، مطالبين النقابة بتقديم اعتذار لوزير الداخلية ومحاسبة نقيب الصحفيين يحيي قلاش.
وظهرت حالة الانشقاق في الصف الصحفي، هذا هو ما عكسه لقاء الأسرة الصحفية، الذي عقد في قاعة محمد حسنين هيكل بمؤسسة الأهرام، وألقى بظلاله علي الأزمة، وتحويلها من معركة بين النقابة والداخلية، إلي أزمة بين أبناء صاحبة الجلالة.
شارك فيها بعض الصحفيين من بينهم “مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين الأسبق، والإعلامي خيري رمضان، عبد المحسن سلامة، محمد عبدالهادي علام، صلاح منتصر، محمود بكري، عادل حمودة ، وعمرو الخياط، وخالد صلاح، وأحمد بكير”، كما حضر الاجتماع 5 من أعضاء مجلس النقابة وهم: “خالد ميري، محمد شبانة، علاء ثابت، حاتم زكريا وإبراهيم أبوكيلة”، وطالبوا باستقالة مجلس النقابة.
وأقامت مجموعة أطلقت على نفسها “نقابة الصحفيين المستقلين”، دعوى قضائية تطالب بفرض الحراسة القضائية على نقابة الصحفيين، باعتبار أن ما حدث بعد اقتحامها هو محاولة للزج بالصحفيين في مواجهة مع أجهزة الأمن، واستغلال ذلك في افتعال أزمة بين الصحفيين ووزارة الداخلية.
وحددت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، جلسة 30 مايو الجاري للنظر في فرض الحراسة القضائية على نقابة الصحفيين.
وأعلنت محكمة جنح قصر النيل في القاهرة، الـ 5 من الشهر الجاري إرجاء الجلسة الأولى في محاكمة نقيب الصحفيين يحيى قلاش، والسكرتير العام لنقابة الصحفيين جمال عبدالرحيم، ورئيس لجنة الحريات في نقابة الصحفيين خالد البلشي حتى الـ18 من هذا الشهر.
وشكلت جبهة الدفاع عن الصحفيين لجنتين، تعكف إحداهما على تنظيم الاتصال بالزملاء الصحفيين والنشطاء، والثانية على حشد العمل الجماهيري وتنظيم الوقفات الاحتجاجية والإعلامية والتواصل مع المحامين وجميع النقابات المهنية المتضامنة، وذلك “دفاعًا عن كرامة النقابة”، بالإضافة إلى تجهيز فريق آخر من الصحفيين والنشطاء لافتات يكتب عليها عبارات على غرار “أنا صحفي مش إرهابي و”كرامة الصحفي خط أحمر”.
أبوالسعود محمد، عضو مجلس نقابة الصحفيين، وفي تعليق بما يحيط بقضية نقيب الصحفيين وزميليه، اعتبر أن “ما تتعرض له النقابة مسلسل هابط تمارسه أجهزة الدولة بحق الجماعة الصحفية التي تدافع عن الحريات، وذلك في إطار التستر على الجريمة التي ارتكبتها وزارة الداخلية وتمثلت في اقتحام نقابة الصحفيين”.
وأكد أبوالسعود أن “الجريمة التي يتم ارتكابها بحق الجماعة الصحفية، لن تغفرها الجماعة الصحفية، والتاريخ”.
واستمرارًا لتصاعد أزمة نقابة الصحفيين، تجاهلت الدولة وعبدالفتاح السيسي، مسلسل محاكمة نقيب الصحفيين يحيى قلاش، وسكرتير عام النقابة جمال عبد الرحيم، ووكيل النقابة خالد البلشي، وأطلق عدد من الصحفيين دعوات للاحتشاد أمام محكمة عابدين، السبت القادم، أثناء محاكمة نقيبهم و2 من أعضاء المجلس بتهمة إيواء عناصر صادر بحقهم أمر قضائي بالضبط والإحضار، وهما عمرو بدر ومحمود السقا، اللذان تم إلقاء القبض عليهما من داخل نقابة الصحفيين بالمخالفة للقانون والدستور.
وتضامن كثير من المحامين مع قضية نقيب الصحفيين وأعضاء المجلس، وعلى رأسهم نقيب المحامين سامح عاشور، الذي كلف أعضاء مجلس النقابة بمتابعة القضية، بالإضافة إلى المحامين الحقوقين وأعضاء المكتب التنفيذي للجنة الحريات بنقابة المحامين ومحامي نقابة الصحفيين.
وقال أبو المعاطي السندوبي، عضو جبهة الدفاع عن الصحفيين، إن ما يحدث مع نقيب الصحفيين و2 من أعضاء المجلس ما هو إلا محاولة فاشلة من النظام الحالي لترهيب وتخويف الصحفيين، عن طريق تحويل الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين من موقف قوة في قرارات اجتماع 4 مايو، إلى موقف الدفاع عن النفس، وهو ما يحدث الآن بمحاكمة نقيب الصحفيين.
وأشار السندوبي إلى أن الصحفيين لن يتنازلوا عن حقوقهم ممن اعتدوا على نقابتهم وزملائهم، وأننا مستمرون، ولن ننحني مهما تمادى الظلم والعدوان على الصحافة والصحفيين.