وأنت تتابع معركة “تيران وصنافير”، من المهم ألا تنسى أن الموضوع بين قضاء 30 يونيو ونظام 30 يونيو ورعاة 30 يونيو، من جهة، وبين الذين اكتشفوا أن الكفر بهذا الثالوث بات لازماً، كي تحافظ على صحيح إيمانك بالوطن، وبثورة يناير، وتحتفظ بإنسانيتك، من جهة أخرى.
ربما يصلح هذا المدخل لفهم حالة التشنج الهستيري التي انتابت مثلث النضال من أجل إثبات أن الوطن هو ما يردّده مصطفى بكري ولميس جابر، ومحامي عبد الفتاح السيسي الذي وقف في قاعة المحكمة، أمس، يندّد بالاحتلال المصري الغاشم للجزيرتين اللتين جمع بعض الخونة والمجانين عشرات الوثائق التي تثبت مصريتهما.
لا يصدق قضاء الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013 أن بعض الذين فتح لهم أبواب أنديته ومقرّاته للتحضير لإطاحة الرئيس الإخواني الذي نجح في الوصول إلى الحكم، يمكن أن ينفلتوا من فلك النظام الذي تأسس، برضاهم، على أنقاض النظام الذي جاءت به ثورة يناير.
ولا يريد نظام عبد الفتاح السيسي أن يستوعب أنه مازال على أرض مصر من يرفض تجلياته العبقرية في إدارة الوطن، أو يردّ له قراراً بالتصرّف فيه، كما يتصرّف في لحومٍ ذبيحة قنصها، ومن حقه أن يوزعها أو يبيعها، كما يشاء.
أما الطرف الثالث، راعي منظومة الثلاثين من يونيو، فليس من السهل أن يبتلع ما يعتبره نكراناً للجميل، بعد كل هذا الإنفاق الباذخ على مشروع تركيب نظام جديد وتشغيله وتموينه وتمويله، صنعه على يديه، ووفّر له كل أشكال العناية والحماية والاحتواء، واطمأن إلى أنه يستثمر في المكان الصحيح، وها هي لحظة جني الأرباح، بعد كل هذا الضخ المكثف.
كيف بعد ذلك كله لا يستطيع النظام المكفول أن يلبي هذه الرغبة البسيطة، وينجح في توصيل قطعتين من وطنٍ يشعل النار في خرائطه، ويلعق تاريخه، ويطمس جغرافيته، وينكر تضاريسه، وينسى حدوده؟.
من الطبيعي أن يُصاب “ائتلاف دعم السعودية” ضد مشاعر شعبيةٍ، تؤججها مجموعة من الأوغاد، بالصدمة والقلق، وهو يرى ثلةً من المارقين يحطمون أصنام انقلاب يونيو، ويتطاولون على آلهته، ويتحدّون الجميع، في مغامرةٍ مثيرة، بمواجهة قضاءٍ يعلمون مسبقاً أنه للنظام كالجلد للحم.
قبل ساعاتٍ من جلسة المحكمة الإدارية العليا، أمس، يبدو أن العقل الباطن غافل العلامة الفهامة، كاهن وطنية الأرز المنقوع في النفط، حجة الانقلاب وإمامه، مصطفى بكري، فكتب في صحيفة “الوطن” ما يلي “الوطن ليس سلعةً تباع وتشترى، تأمل المشهد جيداً، انظر إلى الوجوه، قلّب صفحات تاريخها، تأمل كلماتها ومواقفها، في وقت الأزمات كانوا هم المعول، فشلوا في الهدم، أرادوا بيع الوطن بالقطعة، تفتيت وفك وتركيب، زرع الاحتقان، دفع الناس إلى الفوضى، إطلاق الشعارات الكاذبة، الاستعانة بالأجنبي، التحريض، قبض الثمن ساخناً”.
بالطبع، لا يمكن الاختلاف مع حرفٍ واحد مما سطره مصطفى بكري في المقطوعة المذكورة أعلاه، إذا كان المقصود بكلماتها معسكر بيع السيادة المصرية على الجزيرتين الذي يقوده السيسي، ويتولى فيه بكري قيادة فرقة عازفي الموسيقى النحاسية، غير أنه كان يمارس عملية إسقاطٍ، بالتعريف الحرفي للإسقاط في علم النفس، يلقي من خلالها بكل تشوهاته الإنسانية والقيمية والأخلاقية، على أولئك الذين أرادوا أن يثبتوا للعالم أن مصر لا تزال تخبئ في صندوق جواهرها الكثير مما يضيء ويتألق في الأيام حالكة السواد.
كان يوم أمس استفتاء للمواطن المصري على البقاء في دائرة الكرامة الوطنية، أو الخروج منها، وبصرف النظر عما يقرّره قضاء الجنرالات بشأن تبعية تيران وصنافير، فإن المكسب الأهم هو أن يتحرّر وعي المصريين، ولو جزئياً، من الأوهام والأساطير والأكاذيب التي أحاطت بهم، ثلاث سنوات.
واصلوا نضالكم دفاعاً عن أرضكم وثورتكم، ومعنى الوطن الحقيقي، لا وطن السيسي وبكري ولميس، وسواهم من أعضاء قائمة “في حب سعودية الجزيرتين”، واعلموا أن العمدة المدجّج بغطرسة السلطة والنفوذ في رائعة المخرج السينمائي الراحل، صلاح أبو سيف “الزوجة الثانية” ما كان ليصرّ على تطليق امرأةٍ من زوجها إشباعاً لرغبته، لو أن ضمير القرية لم يمت أو يصبه العطب، أو يقرّر فجأةً أن يكون للبيع وللإيجار.