خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي ليس له تداعيات سياسة واقتصادية فقط، بل وروحية أيضا! وهو ليس الانقسام الروحي الأول الذي تشهده أوربا!
أول انقسام حدث كان بعد حوالي 400 عام من ميلاد السيد المسيح عليه السلام، وكان حول طبيعته، فولد المذهب الكاثوليكي (كنيسة روما، وكنيسة القسطنطينية قبل إسلام تركيا) الذي ظل على عداء مع الأرثوذوكس (الكنيسة القبطية (ومعها الحبشية)، وكنيسة أنطاكية ،وكنيسة أورشليم، وكنائس آسيا الصغرى -عدا القسطنطينية)
الكنيسة الكاثوليكية مارست تاريخيا كل أنواع القتل والتعذيب ضد خصومها، وارتكبت مجازر بمئات الألوف (بدون مبالغة)، مثل مذبحة سان بارتيليمي التي حدثت في فرنسا عام 1572 والتي راح ضحيتها 30 ألف بروتستانتي فرنسي على يد السلطات الكاثوليكية “والمتعصبين من الكاثوليك”. وذكر بعض هذه المجازر الكاتب العالمي دان براون في روايته القوية ملائكة وشياطين، وبدرجة أقل في روايته الأشهر شفرة دافنشي!
الكنيسة الكاثوليكية مارست الاستبداد بكل صوره، ليس فقط السياسي منه، بل والاستبداد العلمي أيضا! احتكرت الكنيسة – بجانب السلطة والسطوة والقرابين – النظريات العلمية أيضا، وصار كل من يعارضها مصيره القتل حرقا أو إحراق كتبه (مثل كوبرنيكوس وجاليليو)
نتيجة هذا الاستبداد خرج معارضون على الكنيسة الكاثوليكية، هم أتباع مارتن لوثر، الذي أسس المذهب البروتستانتي.
ومع تراجع المذهب الأرثوذوكسي نتيجة إسلام تركيا، صار الصراع الرئيسي في أوربا بين الكاثوليكية التي تتزعمها فرنسا وإيطاليا ودول أخرى، ضد البروتستانت الذين فشلت كل محاولات استيعابهم في الكاثوليكية مجددا!
ومع مجيئ لويس الرابع عشر إلى حكم فرنسا، فسخ “أمر نانت” الذي أعطى للبروتستانت بعض الحقوق الدينية والسياسية في فرنسا، واضطهدهم بشدة، عملا بالمبدأ الذي كان يقوله دائما: أنا الدولة والدولة أنا L’etat? C’est moi
هرب البروتستانت إلى انجلترا واستطاعوا القيام بالثورة هناك ضد الملوك الكاثوليك، وأصدروا بيان الحقوق الإنجليزي الذي يبعد الكنيسة عن الدولة، ويجعل الحاكم معينا من قبل الشعب لا من قبل الله!
***
الاتحاد الأوربي كان في جوهره عودة للسلام الروحي في أوربا بين الكاثوليك والأرثوذوكس والبروتستانت.. ورغم بعض المشكلات التي تعتري الدولة الأرثوذوكسية الأهم في القارة (اليونان) وتحفظ الكاثوليك (ألمانيا وفرنسا) على مساعدتها، إلا أنه كان تجسيدا لفكرة الوحدة الليبرالية الاقتصادية ضد الضغائن الدينية القديمة!
لكن خروج بريطانيا رغم ما له من آثار سلبية سياسيا واقتصاديا على القارة، إلا أنه قسم القارة مجددا بين نادي كاثوليكي ليس به دولة بروتستانتية، مما يعيدنا 500 عام إلى الوراء، حيث كانت الكاثوليكية في جانب والبروتستانت في جانب آخر!
الصراع في بريطانيا الآن على الهوية أكثر من أي شيء، هل المملكة نادي بروتستانتي؟؟ أم أن انتماء بعض الاقاليم فيها (سكوتلندا وأيرلندا) لأوربا اكبر من الانتماء الديني؟؟ وهو ما يهدد بتفتيت المملكة لأول مرة منذ استقلال أيرلندا الجنوبية (الكاثوليكية) منذ قرابة 100 عام!!