أن تكون فنانا غرافيتيا هذا يعني أن تكون مجهول الهوية، ذلك أن معظم رسامي هذا النوع من الفن يوقعون لوحاتهم بأسماء مستعارة على شكل أرقام أو حروف فقط، كما ويصر أكثرهم على البقاء في الظل وإن سبقتهم لوحاتهم تلك إلى أكبر وأهم المتاحف العالمية، أو حتى وإن بيعت بالأثمان الباهظة فمن منا لم يسمع ب “بانسكي” ؟ ذلك الفنان الإنكليزي الذي كتبت عنه الكتب، وأنتجت عنه الأفلام الوثائقية والسينمائية الكثيرة، وانتشرت لوحاته في أرجاء العالم بأسره، وبالرغم من هذا كله بقية هويته الشخصية مجهولة في جوانب عدة.
تاريخ الفن الغرافيتي
إن كلمة Graffiti هي كلمة مشتقة من كلمة إيطالية Graffio وتعني ” نقش أو رسم”.
الفن الغرافيتي هو فن قائم منذ القدم، وهو فن ( قديم- حديث )، حيث وجدت كتابات غرافيتية عديدة على جدران الحضارات اليونانية في مدينة ” أفسس” والتي تقع في تركيا اليوم، وعلى جدران الحضارة الرومانية أيضا، حيث اعتبرت الرسومات والمنقوشات التي كانت تملأ المغارات آنذاك ما هي إلا نوع من أنواع الغرافيتا، كما ووجدت أيضا على بقايا آثار مدينة ” المايا ” في أمريكا الوسطى، وعلى صخور قديمة تعود الى القرن السادس عشر الميلادي في أسبانيا.
الفن الغرافيتي في العصر الحديث
أما عن حداثة هذا الفن ! يعد الفن الغرافيتي أكثر الفنون انتشارا في العصر الحديث، كما ويعتبر هذا الفن أكثر الحركات الفنية المعاصرة تورية، فقد اعتبرت الرسومات التي رسموها الجنود الفرنسيين في الأماكن التي مروا عليها ومنها مصر خلال حروب نابليون هي فن غرافيتي، ومن أوجه انتشاره في العصر الحديث أيضا أنه سمي ب ” فن الشارع”، ذلك لأنه يتمثل باللوحات والأيقونات التي ترسم على جدران المباني السكنية، والأماكن العامة، ومحطات القطارات، ثم ارتبط فيما بعد بما يعرف بثقافة ال ” hip hop التي اعتمدت هذا النوع من الفن للتعبير عن سخطها من الواقع الإجتماعي الذي كان يعاني كثيرا من المشاكل، مستخدمين لهذا أقلام التحبير والبخاخات بمختلف ألوانها وأنواعها، إلا أنه تطور فيما بعد وأصبح أكثر جمالا وتعقيدا.
انتشر الفن الغرافيتي في السنوات الأخيرة انتشارا واسعا، أو كما يقال ” انتشر انتشار النار في الهشيم”، لا سيما بعد تصنيفه ضمن أحد الفنون المتحضرة في عصرنا الحديث، ويعود السبب في هذا الانتشار الواسع؛ بعد أن درج رسمه على جدران الممتلكات عامة أو الخاصة، سواء كان رسما أو كتابات، وغالبا ما يتم الرسم دون إذن صاحب الملك أو علمه، ولهذا تعتبره كثيرا من البلاد انتهاكا لقانون الملكية الخاصة، أو تخريب للممتلكات العامة.
بالرغم من اللمسات الجمالية التي يضفيها هذا الفن على جدران وساحات المدن، وبالرغم من السحر البصري الذي تتمتع به العين عند مشاهدتها هذا النوع من الرسم، إلا أن كثيرا من البلدان تجرمه، بل وتعتبره تشويها للممتلكات العامة وتعاقب عليه، ومن هذه البلدان “سنغافورة” التي تعاقب من يقدم على الرسم في الأماكن العامة بالجلد، وبلاد أخرى أقل حدة في قوانينها حيث ألزمت الرسام بمسح رسوماته، وإزالة أي آثار لها، وأخرى خصصت أماكن محددة ومعينة لتقديم هذا النوع من الفن على جدرانها وفي ساحاتها، مثل امريكا وأوروبا ودبي وغيرها الكثير.
أنواع الفن الغرافيتي
فن عصابات الشوارع: في بدايات القرن العشرين، ولا سيما بعد الحرب العالمية الثانية، زاد انتشار الفن الغرافيتي حيث اعتادت عصابات البلديات في الولايات المتحدة عموما ومدينة “لوس أنجلوس” تحديدا، الرسم على الجدران باستخدام البخاخات الملونة لتحديد مناطق نفودها، وتمييزها عن باقي المناطق.
غرافيتي الفوضى: وهو أكثر الأنواع انتشارا، لكثرة الأسباب الدافعة لمستخدميه، وقد كان بداية سطوع موهبة وقدرات كثيرا من المبتدئين، الذين أصبحوا فيما بعد أكثر الرسامين شهرة وأبداع، والذين بيعت لوحاتهم بأثمان باهظة الثمن ومنها ” كورنابيرد” و” توبكات 126″ و” ترأس 168″.
غرافيتي المعارضة السياسية: لقد كانت ولا تزال وسائل التعبير عن سخط الأداء السياسي، أو الطوائف السياسية والأحزاب كثيرة وغير محدودة، ومن أسم هذا النوع من الفن فقد كان وسيلة من وسائل ذلك التعبير، ومما يذكر من هذا القبيل، أن إيرلندا الشمالية عندما شهدت أقساما كبيرا بين طوائفها وتياراتها السياسية، قد أقدمت كل مجموعة من هذه المجموعات السياسية بصيغ جدران مناطقها برسائل وعبرات تدعم وتؤيد آرائها وتوجهاتها السياسية التي تتبناها، وقد شهد جدار برلين في ألمانية مثل هذه الأيقونات والرسومات قبل سقوطه.
أنماط وأشكال الفن الغرافيتي
– Tagging أو الوسم: وهو عبارة عن توقيع أو بصمة بصرية، وبالرغم من أن هذه البصمة أو توقيع هو غاية في التعقيد، إلا أنه غاية في الجمال والإبداع، وهو أقرب إلى التخطيط منه إلى الرسم، إذ يظن الناظر إليه للوهلة الأولى بأنه تخطيط لا رسم.
– Throw Up أو الوسم البسيط: وهو أسلوب يشبه سابقه أن أنه أسرع تنفيذا وأكثر ألوان.
– Top to Bottoms التصميم الكامل: هذا النوع من الرسم هو الأصعب تصميما، ذلك لأنه يتم تنفيذه على مساحات واسعة جدا من الجدران أو اللوحات، وهذا النوع هو الذي يتم تزيين المحطات والأماكن العامة به.
– Wild Style النمط العشوائي: وهو أكثر الأنواع خبرة وأبداع، فهو عبارة عن ربط حروف ورموز بعضها ببعض، لتشكل في نهايتها لوحة فنية ملفتة.
– Roller التصميم باستخدام الفراشي الدورانية: وهو أكثر الأنواع بساطة وسهولة، ذلك لأنه يستخدم فراش عريضة وكبيرة لتغطية مساحات كبيرة وواسعة بسرعة كبيرة.