أكثر من إشكالية هنا، وليست كلمة المرارة بنافعة في وصف أقلهم، ولا التعبير عن أدناها، بل إن المرارات مجتمعة لا توفي المسكوت عنه، ولا الحسرة التي بين السطور، فمنذ بداية هذا العام وصحف، بعضها عالمي، تتحدث عن زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء الصهيوني إلى القاهرة في سابقة لم تحدث من قبل تاريخياً، ولا في عهد الرئيس “محمد أنور السادات”، ولا في عهد الرئيس المنقلب عليه الجيش في الحقيقة، فما يبدو أن في مصر ثورة في الأساس ولا يحزنون، وإنما ضاق الجيش بطول عمر “مبارك”، ورغبته في عدم الموت بتوريث ابنه المدني، فوقفوا إلى جوار حركة أو هبّة أو انتفاضة مؤقتة، ثم أدارت مخابراته، بالإضافة إلى مخابرات دول أخرى، وأياً ما يكن الأمر فلم يفعلها مبارك الذي كان كنزاً استراتيجياً لـ (إسرائيل)، وباع لهم كل ما وصلت إليه يداه لكن بحساب.
يصل “نتنياهو” إلى القاهرة قريبًا، تبدأ الأمور وفق هذا السيناريو غالبًا: تسريبات للصحف، كما في زيارة الرئيس الراحل السادات للقدس و(الكنيست) عام 1977م، ثم يعلن الطرف الذي سرب الخبر عن موافقته على الذهاب، ولتقع المزيد من المخازي والبلايا التي تنزل بأحرار وشرفاء هذه الأمة.
لكن الدعوات القائلة، إعلاميًا، بأن الإرهابي المتطرف القاتل “نتنياهو” يصل القاهرة منذ فبراير/شباط الماضي.. فما الجديد؟
الجديد إن أمثال شبه كاتب، على وزن شبه منحرف، كتب، ببساطة في “اليوم السابع” القاهرية، وأمثاله كتبوا في “الوفد” وهلم جراً، ففي الثلاثاء الماضي 12 من يوليو/ تموز الحالي مقالاً تحت عنوان “متى يزور نتيناهو القاهرة؟”..ليتمنى المصريين معه، وفق مراده أن تتحقق الزيارة قريباً..
ويروى أن جلادًا قديمة أراد جلد رجلًا طويلًا فأمره:
ـ تقاصر حتى أجلدك.
فقال الرجل على البداهة:
ـ إلى أكل “الفالوذج” تدعوني يا ابن الـ..
و”الفالوذج” نوع من أنواع “المهلبية”، والشىء بالشىء يذكر فالكاتب الشبيه بالبشر يدعونا لأن ننتظر البركات مع زيارة رئيس الوزراء الصهيوني وتدنيسه القاهرة، وما أكثر البشر المغمورين الذين يريدون بيع نفوسهم وشرفهم بأي مقابل.
بعد زيارة المدعو “سامح شكري” إلى (إسرائيل) يوم السبت 10 من يوليو/تموز الماضي اكتمل “انبطاح” والكلمة مخففة تماماً كاللفظ الغائب من قول الرجل الطويل، على الفاضي،:
ـ إلى أكل الفالوذج تدعوني يا ابن الـ…
نظام “النقاط الخالية”، أرسل وزير خارجيته ليبيع ما تبقى لديه من شرف أو كرامة أو مرؤة، وهي الخطوة التي كان مبارك يتأنى فيها، وكانت آخر مرة فعلها في 2007م مع المدعو، “أحمد أبو الغيط”، وكم تبتلى مصر بوزراء خارجية من آناس لا قيمة ولا مهارة ولا مؤهلات للحياة من الأصل لديهم، شىء واحد يمتازون به: الاستعداد لبيع أنفسهم بلا سبب، وبمقابل مالي، ولو رخص، ولو لعنه التاريخ من بعد.
لدينا هنا نقاط ثلاثة بالترتيب قبل الوصول إليهم يجب التوضيح أن “هآرتس” (الإسرائيلية) أوضحت أن “شكري” هرع إلى (إسرائيل) لمعرفة هل نتائج زيارة نتنياهو إلى أثيوبيا تحقق خيراً لمصر؟
لأن نظام الإنقلابي “السيسي” يؤمن تمام الإيمان، إن (إسرائيل) قادرة على منع “خراب الديار” الذي سيحل بها مع اكتمال بناء سد النهضة قريباً ، وقدر التقرير (الإسرائيلي) لهآرتس، الأربعاء الماضي، الخسارة المصرية ما بين 11و19 مليار متر مكعب من المياه سنوياً ستخسرها مصر نتيجة سد النهضة الأثيوبي، وأضافت الجريدة إن السيسي يعتقد أن (إسرائيل) إن لم تكن تريد منع أثيوبيا فإن بأمكانها تحجيمها.
هكذا ألقى “السيسي” بأوراقه كاملة لعدوه وجلس “يهرطق” وقت الهزل أمام المصريين ثم يهرول فيدعو رئيس الوزراء الإسرائيلي للزيارة في صمت وقت الجد لأن زيارته “السيسي” لها لن تساوي شيئاً..
النقطة الثانية هنا الضرورية أنه حتى مبارك لم يكن يلبي لـ(إسرائيل) كل متطلباتها فلم يكن يذوب عشقاً فيها، ذلك لإنه كان “يظن” أنه باق على كرسي الرئاسة إلى ما شاء الله تعالى وأن الكرسي حقه وحق ابنه من بعده، أما “السيسي” ونظامه فهما يعلمان ويعرفان أنهما لقيطان لا أساس ولا رضا ولا قبول بهما إلا لدى أسيادهما (الإسرائيليين) والأمريكان لذلك يبيعان حتى آخر أنفاسهما كل ما لديهم من امكانات، ويتحالفان مع (إسرائيل) حتى الذوبان .. فهي سندهما من بعد أمها أمريكا .
ويقال لك إن زيارة “نتنياهو” للقاهرة من أجل اجتماع رباعي بينه وبين المسمى بالعاهل الأردني، ومحمود عباس، من أجل دفع السلام الفلسطيني، والقائل يعرف إنه يتحدث عن العنقاء أو الغول أو قل مستحيلات العرب مجتمعة، ما تحقق سلام مع العدو كي يتحقق اليوم.
لكنها سياسة “التلاكيك” إن هذه الأهداف هي المعلنة لكن المخفي هو الأهم، السجود لـ “نتنياهو” لعله يرفق بمصر تجاه مشكلة السد، فقد صارت تتسول المياه من ألد أعدائها الذي يريد الفرصة لسفك دمها. ون قبل من أجل بقاء “السيسي” نفسه في حكم مصر.
ويقال لك أن التقارب التركي ـ (الإسرائيلي) يقلق السيسي، بحسب “هآرتس”، إذ ليس من المقبول أو المعقول لديه أن تمد (إسرائيل) غزة باحتياجاتها بخاصة مواد البناء، وإن يكن غذاء وعلاج، فيما يظل هو مغلقاً لمعبر رفح، فلا بد لـ (إسرائيل) من تصرف يجمع حركتيّ حماس مع فتح .. كي يفتح “هو” المعبر.
لم تعد سياسات مصر تدار خفية إذاً مع العدو الصهيوني بل إن السحب على المكشوف صار هو الأصل والأساس.
النقطة الثالثة والأخيرة هي أن أعداء الإنقلاب انجرفوا لنقاط فرعية منذ ان كان الإنقلاب مدعوماً من السعودية والإمارات و(إسرائيل) وامريكا حتى اليوم إذ يكتسب شرعية عالمية إلا قليلاً جداً، والاكتمال غير بعيد، وهم منذ يوليو/تموز 2013م يتخبطون ويتبعون أوهام قيادات وإعلام لا يفقهون في السياسة من آسف، فيما مصر تباع عياناً بياناً أمامهم وبلا مزاد او ثمن ..
يأتي نتنياهو القاهرة قبل نهاية العام كما تتحدث صحف ووكالات العالم أو لا يأتي فقد تحققت أهداف إسرائيل في بلادنا أو هي في سيبيلها إلى التحقق اللهم إلا لو أفاق شرفاء هذا الوطن وانتبهوا لأنفسهم و.. إليه؟!