رأت الكاتبة “إميلي هاوثورن” في مقال نشرته بموقع “ستراتفور” الاستخباراتي الأميركي، أنه على الرغم من الجهود السعودية لتقريب وجهات النظر بين القاهرة وأنقرة إلا أن هذه الجهود ستنتهي بالفشل. وقالت الكاتبة إنه عندما بدأت مصر موسم انتخابات 2011م-2012م، وهي أول انتخابات تجرى بعد الربيع العربي; “دبت الحياة في المناخ السياسي للبلاد، وازدادت المناقشات، وحينذاك كنت أعيش في الأسكندرية، حيث ردد زملائي الملتزمين دينيًا “دعنا نعطيهم فرصة “، وذلك في إشارة إلى مرشحي الإخوان المسلمين في الإنتخابات، الذاهبين بقوة إلى البرلمان، والذين لم يسبق لهم تحدي القيادات العسكرية المسيطرة على البلاد بشكل كامل منذ الخمسينيات من القرن الماضي، أما أصدقائي العلمانيين فكانوا يرددون “ليس لديهم الخبرة”، وذهب معظمهم للإدلاء بأصواتهم لحمدين صباحي في الانتخابات الرئاسية”.
وقارنت الكاتبة بين نجاح “العدالة والتنمية” بقيادة “أردوغان” وبين الإخوان في مصر المسلمين; “فمنذ عام 1992م سيطر “أردوغان” على المشهد السياسي التركي، ومن المتوقع أن تستمر هذه السيطرة في المستقبل بالرغم من محاولة الانقلاب الفاشلة الأخيرة، أما في مصر فسقط الإخوان سريعًا مثلما صعدوا، ومنذ الثالث من يوليو يفعل المجلس العسكري كل ما في وسعه للتأكد من عدم عودتهم مرة أخرى”.
ولفتت الكاتبة إلى أوجه التشابه بين البلدين، والتي دائمًا ما تحددها الجغرافيا والتاريخ، فتقول: “فالبلدان يحتلان مناطق عبور التجارة منذ 1000 عام، وحتى الآن هما المدخل لموجات الهجرة إلى أوربا، وعلى مدار آلاف السنين تجمع المصريون حول نهر النيل، مما أدى إلى التجانس السكاني المستمر حتى الآن، لكن على النقيض كانت التركيبة السكانية لتركيا متنوعة، وتشكلت من مزيج من الأعراق، والتي أضعفت وزادت من قوة الدولة في آن واحد، وكانت مركزية الدولة مهمة أسهل للقاهرة مقارنة بتركيا التي عانت من المصاعب في بسط سيطرتها على أراضيها”.
وبعد سقوط الدولة العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، استمرت الدولتان في تتبع مسارات متشابهة خلال القرن العشرين، واستلهما كلاً منهما التجارب من بعضهما البعض، خلال العقود المضطربة التي اجتاحت الشرق الأوسط، واستوحى جمال عبدالناصر الذي يبجله المصريون حتى الآن بعض أفكاره من مصطفى كمال أتاتورك، وأسس الرجلان نموذج الحكم العسكري العلماني، والنهج القومي الذي يمكن للجيش، وهو ما جعل الدولتين عرضة للانقلابات العسكرية والثورات، كما برهن على ذلك إنقلاب 2013م، ومحاولة إنقلاب الخامس عشر من يوليو في تركيا.
كما غيرت الشخصيات الدينية في كل من تركيا ومصر من أفكارهم خلال القرن العشرين في كلا البلدين، وفي أوقات مختلفة اشتبكت هذه الشخصيات مع الإسلاميين الذين هدد ظهورهم الوضع القائم آنذاك، ومثل تحديًا للقوى الحاكمة، وهو ما حدث مع حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين في العشرينيات من القرن الماضي، ونجم الدين أربكان في حقبة التسعينيات.
ورأت الكاتبة أن مصر فشلت في إيجاد موطأ قدم لها في المنطقة العربية في أعقاب الربيع العربي، وواجهت فترات عصيبة، وهو ما أجبرها على التركيز في الوضع الداخلي، بينما نجحت تركيا معتمدة على اقتصادها المتنوع على التدخل في الصراعات في الشرق الأوسط، وكان الهدف التركي بسيط، وهو صياغة المنطقة إعتمادًا على الإسلاميين المعتدلين.
ولفتت الكاتبة إلى أن تفاقم الفجوة بين أنقرة والقاهرة كان نتيجة التوجهات المختلفة للحكم، ففي ظل حكم أردوغان ألقت تركيا بكامل ثقلها خلف الحركة الإسلامية في المنطقة بما في ذلك الإخوان المسلمين في مصر، لأنهم وحزب العدالة والتنمية يتشاركون في نفس الأهداف، وفي حين سيطر الإخوان على مقاليد الحكم في القاهرة تحسنت العلاقة بين تركيا ومصر، ومنذ الإطاحة بمرسي في 2013م، أدار القادة العسكريون العلمانيون ظهورهم لتركيا بسبب توفير تركيا ملاذًا آمنًا لأعضاء الإخوان المسلمين الفارين إليها.
وتابعت الكاتبة، “في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة في الخامس عشر من يوليو، ادعت ثلاث صحف مصرية مسبقًا في عنواينها الرئيسية الإطاحة بأردوغان، وفي نفس الوقت رفضت مصر وصف الحكومة التركية بـ”المنتخبة ديمقراطيًا”، في قرار يدين محاولة الانقلاب الفاشلة الأخيرة، واستخدمت تركيا الأمم المتحدة لكيل الانتقادات اللاذعة للقاهرة بقولها: “إن من جاءوا إلى السلطة بانقلاب، من الطبيعي أن ينأوا بنفسهم عن اتخاذ موقف ضد محاولة الانقلاب الفاشلة”، وردت مصر بأنها ستنظر في طلب رجل الدين “فتح الله جولن” – المتهم بتدبير الانقلاب- اللجوء إليها حال تقديمه طلبًا للجوء إليها.
وأضافت الكاتبة، أن هذا السجال هو آخر حلقة من النزاع الدائر بين البلدين الذي من المرجح أن يستمر، وخلال العام الماضي، حاولت المملكة العربية السعودية التوسط بين البلدين في إطار جهودها لتقوية التحالف السني في المنطقة، ولكن بالرغم من إحراز بعض التقدم فإنه ليس من المرجح أن توافق أنقرة على تغذية الطموح السني للرياض على حساب نفوذها هي، كما أن الرياض ليس لديها القوة الكافية لإجبار القاهرة على تجاهل دعم أنقرة للإخوان المسلمين، التي تعتبرها منظمة إرهابية، ومما زاد الأمور تعقيدًا، هو عقد الحكومة المصرية اجتماعات مع حزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره الحكومة التركية منظمة إرهابية.
وختمت الكاتبة بالقول: “تركيا ومصر لديهما القليل من الأهداف المشتركة، وكلاهما على سبيل المثال يريد هزيمة تنظيم الدولة وتنمية منطقة شرق البحر المتوسط، لكن إذا ما استطاع الجانبان تنحية خلافاتهما جانباً والتعاون بشكل مؤقت من أجل المصالح المشتركة، فإن التوتر بينهم سيستمر تحت السطح لفترة، ثم ما يلبث أن يشتعل مرة أخرى”.