المراجعات مطلوبة من الجميع، وخصوصاً ممن يتصدّرون المشهدين، الثقافي والإعلامي، في بلادنا ويتبعهم الملايين، ويتناول هذا المقال مواقف الإعلامي المصري الساخر، باسم يوسف، أحد أشهر الوجوه الإعلامية المصرية المرتبطة بثورة يناير. والسؤال هنا ليس عن علاقة باسم بهذا التيار أو ذاك، وليس موقفه من “الإخوان المسلمين” أو من انقلاب 3 يوليو 2013، ما يشغلنا هو موقفه من الديمقراطية نفسها. وتعتمد السطور التالية، في ذلك، على المقالات التي نشرها في جريدة الشروق المصرية، من سبتمبر/ أيلول 2012 وحتى مارس/ آذار 2013 حين توقف عن الكتابة في الصحيفة، وتحاول هذه المقالة أن تقترب من الطريقة التي يفكّر بها باسم، وفقاً لما كتبه بقلمه، وليس اعتماداً على برنامج تلفزيوني تعاون في إعداده مع آخرين.
بدايةً، يُحسب لباسم يوسف تبنيه قضايا مهمة، كحرية التعبير والاعتقاد والأقليات، ورفضه الكراهية وازدواجية المعايير، ووقوفه ضد الانتهاكات التي تعرّض لها خصومه السياسيون، كالإخوان والسلفيين بعد الانقلاب العسكري. والملاحظ هنا أن حالة العداء السياسي المتبادل والمحتدم بين باسم والتيار الديني ومساندته المبدئية انقلاب 3 يوليو لم تمنعه من أن يدرك سريعاً خطورة ما يحدث من انتهاكاتٍ بعد الانقلاب العسكري، أو من نقد ما رأى أنها ميكيافيلية شرائح كثيرة معارضة للتيار الديني، ورفعت شعارات الحرية والديمقراطية في فترة حكم “الإخوان” القصيرة، ثم دعمت قمعهم بعد الانقلاب.
يُحسب له أيضاً ثقافته وانفتاحه على الخارج، فهو متابعٌ جيد للإعلام الدولي ومشاركٌ فيه، وعادةً ما ينتقد بالاسم بعض أبواق الإسلاموفوبيا في الإعلام الدولي، حيث يرى نفسه مدافعاً عن صورة الإسلام، وتسامحه في الداخل والخارج.
على الجانب الآخر، وقع باسم يوسف في أخطاء واضحة في مقالاته، وفي مقدمتها التخندق ضمن معسكر سياسي معين، وخصومه آخر، والوقوع بشكل متكرّر في فخ التناقض الداخلي والتنميط، أما أكبر خطأ وقع فيه فهو عدم وضوح فكرة الديمقراطية نفسها في مقالاته، وتعامله معها بشكل مبسط ومخلّ، كما سيتم الشرح تباعاً.
منذ بداية ظهور مقالات باسم يوسف في “الشروق” وحتى الانقلاب العسكري، وكل مقالاته تصب في اتجاه واحد، هو الهجوم على التيار الديني، حيث تمتلئ بعبارات مثل: “المتأسلمون الجدد”، “نحن لا نكره الله ولا نستطيع، نحن فقط لا نطيقكم”، “تجار الدين”، و”الجماعة الفاشية”.
من البداية، تخلى باسم عن فكرة الحياد السياسي التي يفترض أن تتحكّم في مواقف الصحافيين والإعلاميين، وقرّر أن يدعم تياراً بعينه في مواجهة خصومه السياسيين، ولعل رفض الحياد السياسي ليس خطأ في حد ذاته، فكثير من وسائل الإعلام الدولية المحترمة تنتمي لتيار سياسي معروف، لكنها تحافظ على مصداقيتها، بالالتزام بمبادئ أخلاقية ومهنية عديدة، مثل معاملة الجميع بالمعايير نفسها، والبعد عن إطلاق الأحكام الجزافية، بالإضافة إلى الالتزام بالديمقراطية.
وللأسف، يبدو باسم في مقالاته قبل 3 يوليو/ تموز 2013، وكأنه جندي في معركةٍ سياسية، حريصاً على نعت خصومه بأسوأ الصفات، فهم متأسلمون وتجار دين وفاشيون، على الرغم من أن للفظٍ، كالفاشية مثلاً، معاني محدّدة، يصعب تطبيقها على ما يحدث في مصر.
وكأن باسم لم يلاحظ الأزمة السياسية المركّبة التي تعيشها مصر والمشكلات التي تعتري مختلف القوى السياسية، فكل همه تقريباً كان الفوز على خصومه من التيار الديني، وبعد أن وقع الانقلاب، وبدأ في إدراك خطورة ما حدث وضيق مساحة الحرية، كان عليه أن يبدأ مقالاته بعبارات مثل: “لا، يا سيدي، أنا مع اللي حصل في تلاتين يونيو وشايف إن مرسي ماكانش ينفع يكمل لكن …”، و”أذكّرك أنني أكره الإخوان، وأنهم تنظيم إرهابي”، وكأنه يحاول إثبات عضويته في المعسكر الجديد قبل نقده، ولو على حساب إعلان كرهه طرفاً ووصمه بالإرهاب.
ثانياً: وقع باسم تكراراً في أخطاء، يرفضها باستمرار في مقالاته، وتطالب دوماً بالحريات، وتقبل الآخر، ورفض التعميم والأفكار النمطية، فعندما تقرأ مقالاته، تجد أنه لا يفرّق كثيراً بين “الإخوان” والسلفيين، أو بين الكتل المختلفة داخل كل تيار، مثل جماعات السلفيين المختلفة، فقد صنع خصماً عاماً يسمى الإسلاميين، يرميهم بمختلف الصفات السيئة، ويحاول إثبات خطأ مواقفهم بأي طريقة، ما أوقعه في أخطاء معلوماتية ومنطقية أحياناً، ففي 26 مارس/ آذار 2013، كتب مقاله “مشروع الخلافة الأميركية”، يحاول أن يقنع الناس فيه بأن “أميركا نفسها تصحى الصبح، لتجد أن الحكم في العالمين العربي والإسلامي قد تمت سلفنته، أو أخونته بالكامل” لأنهم يمثلون “نماذج إسلامية أليفة”، وظيفتها مهاجمة النماذج الإسلامية “المعادية” لأميركا عسكرياً، ضارباً المثال بحركة حماس، والتي قامت بتصفية “أحد شيوخ الجهادية” لأنه “أعلن قيام الإمارة الإسلامية، وبدء الزحف على القدس”.
وفي 3 سبتمبر/ أيلول 2013، كتب مقاله “التجارة باسم الدين”، يستغرب فيه من موقف السلطة الجديدة في مصر من حزب النور، قائلاً: “وهنا نتساءل، مرة أخرى، هل قامت 30/6 على “الإخوان” فقط، أم على الفاشية الدينية ككل، ولمنع الأحزاب الدينية، كما سبق وذكرنا؟ أم أن الموضوع فيه خيار وفقوس؟” وهكذا يتضح أنه لم يلاحظ الفروق الواضحة داخل التيار الديني، والتي انتبه لها قادة الانقلاب العسكري أنفسهم، بعد أن دعم انقلابهم من دون وعي كافٍ.
ثالثاً: مازال موقف باسم يوسف من قضية فض اعتصام ميدان رابعة العدوية في القاهرة محل خلاف كبير، حيث يرى بعضهم أنه رقص وغنى في إحدى حلقات برنامجه التلفزيوني “البرنامج”، في حين ينفي ذلك، ويقول إن الحلقة تتعلق بسياق تاريخي وسياسي معين، لا يجب أن تخرج عنه. وحقيقة تمتلئ مقالاته بعد الانقلاب بأمثلةٍ لرفضه المبدئي الانتهاكات التي تعرض لها “الإخوان”، ولكن مقاله في 20 أغسطس/ آب 2013 “خراب وطن عند قوم فوائد”، يتضمن عبارات قد لا تعد دعماً مباشراً للفض، لكنها تراه خدمة ما للإخوان المسلمين ولمخططهم السياسي، حتى أنه يحذّر من استخدامهم فيديوهات فض ميدان رابعة في الخارج. وكتب “يبدو أن السلطة الحالية تقوم بدورها بكفاءة، فإعلامها وداخليتها وانتهاكات شرطتها كله سيكون على “اليوتيوب”، مما يخدم قضية الإخوان جداً … هذه الفيديوهات ستجد طريقها للخارج”.
رابعاً: على الرغم من حرص باسم يوسف على الديمقراطية، إلا أنه لا يعيرها، فكرةً ونظاماً سياسياً متكاملاً، أي اهتمام يُذكر في كتابته، بل يمكن وصف موقفه من الديمقراطية بالجزئي والمبسط بشكل مخل، فهو يكتب بالأساس عن قضايا كالحريات كحرية التعبير والأقليات والاعتقاد، ويتحدّث كثيراً عن محمد مرسي وعاصري الليمون والإعلان الدستوري وتحالف “الإخوان” مع السلفيين، وكلها قضايا مهمة. في المقابل، هناك مساحات ديمقراطية كاملة مظلمة في فكره ومقالاته.
لا يكتب باسم يوسف، مثلاً، في مقالاته، عن دور بعض الدول الخليجية في دعم الانقلاب العسكري، وكأن المليارات التي تدفقت على مصر بعد الانقلاب لم تثر ريبته. لا يكتب عن قضايا، كسيطرة رؤوس أموال بعينها على الاقتصاد المصري، وعلاقة رؤوس الأموال تلك بعصر حسني مبارك وغياب الديمقراطية. لا يكتب عن ضعف أحزاب المعارضة المصرية ومشكلاتها. لم ينتبه إلى قضية توغل الجيش في الحياة الاقتصادية والسياسية في مصر، ولا إلى قضايا، كالتحول الديمقراطي وصعوباته وتحدياته، في بلد كمصر، وبعد ثورة كثورة يناير.