لسنا من الذين يستسلمون لنظرية المؤامرة؛ لأننا نؤمن بأنّ الشعوب من حيث النتيجة تصنع مصيرها، عظمت التضحيات أم صغرت، طال الزمن أم قصر…!!!
لكنّ هذا لا ينفي المؤامرة الخارجية التي لعبت بالأمّة العربية والإسلامية في القرون الماضية، فسايكس بيكو حقيقة ما زلنا نعيش على مائدتها، وتنصيبُ الدول الاستعمارية للحكام العرب ودعمهم لحكمهم الاستبدادي نحياه بشكل يومي، وسكوتُ العالم على انقلاب تركيا درس يسهل قراءته، ووقوفُ العالم الخارجي ضدّ ثورات الربيع العربي لا يشكّ فيه عاقل، وما حصل في مصر واليمن واضح للغاية، وما يحصل الآن في سوريا درس عملي، فسوريا الآن هي مسرح لدول الإقليم وللدول العالمية، ولكلّ من هذه الدول حساباتها ومصالحها…!!!
وعلى صعيد الساحة السورية لا بدّ لنا من التساؤلات الآتية:
هل سوريا ذاهبة إلى مشروع التقسيم !؟
من هم أصحاب المصلحة في التقسيم !؟
من الذي يقاوم مشروع التقسيم !؟
وللإجابة عن هذه الأسئلة نقول:
إنّ مَنْ يراقب الوضع الميداني في سوريا يدرك حقيقة أنّ سوريا تسير في مشروع التقسيم، فأمريكا وروسيا يدعمون الأكراد في الشمال السوري ونجحوا بفرض منطقة واسعة لهم، وروسيا وحلفاؤها يدعمون النظام السوري للمحافظة على ما يُسمّى بالدولة المفيدة، وبقي القسم الثالث الذي يخص باقي سوريا يحاول من خلاله الثوار السوريون التحرّك لتحرير سوريا، ومحاربة النظام ومشاريع التقسيم، وهذا الطرف هو الذي يخذله المجتمع الدولي…
أما أصحاب مشروع التقسيم كثيرون، فهم أصحاب المصلحة في تقسيم سوريا، وعلى رأس أولئك هي إسرائيل، فإسرائيل لا تريد أن ترى على حدودها دولة قوية تنعم بالحريّة، فقد ساهمت بشكل فعلي بالقضاء على الثورة المصرية بمشاركة من بعض الدول العربية وبمباركة أوربية أمريكية، وهي الآن تعمل بشكل قوي لتقسيم سوريا، وبالتالي إنشاء دويلات ضعيفة ومتصارعة، مما يزيد في عمر دولة إسرائيل لعقود طويلة…وأمريكا وروسيا وأوربا يسعون جميعاً لخدمة المشروع الإسرائيلي الاستيطاني، بالإضافة إلى المصالح الخاصة الكثيرة لكلّ دولة منها في المنطقة، كالقواعد العسكرية الروسية في الساحل السوري، والقواعد الأمريكية التي تبنيها الآن أمريكا في المناطق الكردية في الشرق السوري القريب من الحدود التركية…
لكنّ مشروع التقسيم له من يعارضه وينتقده ويسعى جاهداً لإفشاله، والحقيقة من يُحارب هذا المشروع هما جهتان:
الجهة الأولى ـ الثوار السوريون:
لا نشك أبداً أنّ الثوار السوريين هم ضدّ أي مشروع تقسيمي لسوريا، وهم يقاتلون لإسقاط النظام السوري وإقامة دولة موحّدة على كامل التراب السوري، لكنّ الثوار يعانون من المشاكل الآتية:
ـ إلى الآن ليسوا صفّاً واحداً متماسكاً يخضع لقائد واحد…
ـ الدول العظمى كروسيا وأمريكا هي بالحقيقة عدو حقيقي لمشروع الثوار السوريين الذي يطلبون الحرية ضمن دولة موحدة.
ـ الدعم الدولي والإقليمي للثوار شحيح جداً؛ بل في كثير من الأحيان يتقدّم الثوار في مناطق هامة تضرب مشاريع التقسيم، فتقوم الدول الداعمة بوقف الإمداد المالي والعسكري فيتراجع الثوار، ومعركة كسب في الساحل السوري مثال على ذلك…
إذن ضمن المعطيات الحالية، لا يستطيع الثوار السوريون الوقوف في وجه المشروع التقسيمي.
الجهة الثانية ـ تركيا وإيران:
إنّ النظرة السريعة تظهر التناقض الكبير بين الموقفين التركي والإيراني في سوريا، فتركيا تدعم الثورة السورية بشكل كبير، وتحارب النظام السوري علانية وفي المحافل الدولية كافة…وبنفس الوقت تدافع إيران عن النظام السوري بشكل مستميت، فإيران تشارك بجيوشها وبالميليشيات الشيعية اللبنانية والعراقية والأفغانية بشكل مباشر على الأراضي السورية، وإيران هي رافعة النظام الاقتصادي والسياسي، وهي لا تخجل من مواقفها؛ بل تفتخر بها على العلن…
إذن تركيا تريد الإطاحة بالنظام السوري، وإيران تريد المحافظة على النظام السوري، فكيف يمكن لهما بهذه الصورة المتناقضة أن يكونا عدوّا للتقسيم..!!؟
بالحقيقة في السياسة لا يوجد مواقف ثابتة؛ فالمصالح العليا هي بالنتيجة التي تحرّك السياسات وتغيّر المواقف الدولية، فلا صديق دائم، ولا عدوّ دائم…وعلى الصعيد التركي الإيراني فقد أدرك كلّ طرف منهما الحقائق الآتية:
ـ لن يستطيع طرف منهما إنهاء الصراع عسكرياً.
ـ الدول العظمى تستنزف قوى الطرفين المالية والعسكرية والبشرية.
ـ الدول العظمى تسعى لتوريطهما في حروب إقليمية.
ـ والأمر الأكثر أهمية هو الحقيقة الآتية: إنّ مشروع التقسيم في سوريا سيضرب المصالح الوطنية السيادية لكلّ من تركيا وإيران، لأنّ مشروع التقسيم في سوريا سوف يخلق دولة كردية في سوريا، وهذا من باب أولى سينقل عدوى التقسيم إلى كليهما، ففي تركيا يوجد ما يقرب من /18/ مليون كردي، وهم يخوضون حرباً عسكرية مع تركيا منذ عام 1984م بقيادة حزب العمال الكردستاني لكي يحصلوا على دولة مستقلة…وفي إيران ما يقرب من /10/ ملايين كردي، وقد أعلنوا عن قيام دولة مستقلة لهم عام 1949م، واستمرت لمدّة سنة، ثمّ قضى عليها الإيرانيون عسكرياً، وما زالت الأحزاب الكردية في إيران إلى هذه اللحظة تطالب بقيام دولة كردية…
فمن هنا نجد أنّ هناك مصلحة عليا مشتركة بين الدولتين، وهذه المصلحة سيادية بامتياز؛ لذلك لا بدّ من اللقاء التركي الإيراني حول الملف السوري، وهذا اللقاء بالنتيجة لا بدّ أن يحصل، ومن خلال هذا اللقاء سيتمّ الوصول إلى صيغة حلّ مشتركة، وهذا الحل سياسي، وهذا الحل سيحافظ على وحدة سوريا…والمراقب الآن للساحة الدولية والإقليمية سيدرك بأنّ تغيرات المنطقة تقود إلى ذلك، فتركيا بعد مشكلة إسقاط الطائرة الروسية أدركت خذلان المواقف الأمريكية والأوربية لها، ثمّ أتى الانقلاب العسكري الفاشل ليثبت لتركيا مدى تخاذل الأمريكيين والأوربيين…فهذه الأمور وغيرها جعلت من تركيا تتوجه إلى روسيا، فتصالحت مع روسيا، والآن الرئيس التركي يقوم بزيارة لروسيا من أجل الوصول إلى شراكات استراتيجية، ومعلوم أنّ روسيا هي شريك استراتيجي لإيران، وهي بنفس الوقت طرف في الصراع السوري، وهذا سيعجّل من التفاهم التركي الإيراني بمساعي روسيّة…
إذن فالدور التركي الإيراني بمباركة روسية من الممكن أن يُنقذ سوريا من التقسيم، وبالتالي ليس التقسيم قدراً محتوماً على سوريا، لكنْ مع الأسف ليس بأيدي السوريين ضمن المعطيات الحالية…ومن الناحية التاريخية نجد أن تركيا نجت من سايكس بيكو في الحرب العالمية الأولى، إذ كان المخطط أن تكون جنوب تركيا الكردية ضمن مخطط سايكس بيك، لكن جهود تركيا في ذلك التاريخ منعت جهود التقسيم…
فهل الآن ينجح الأتراك والإيرانيون في حلّ مشاكلهم، ثمّ الوقوف معاً في إفشال مشروع التقسيم في سوريا؛ كي لا تنتقل العدوى إلى دولهم..!!؟
سؤال سنعيش جوابه على أرض الواقع…وإنّ غداً لناظره قريب…!!!