تعرّض علي جمعة، مفتي مصر السابق، لمحاولة اغتيال يوم الجمعة (5-8-2016)، بمدينة السادس من أكتوبر، أثناء ذهابه لإلقاء خطبة الجمعة، مما أدى إلى إصابة الحرس الخاص به. ومع استنكاري الشديد لهذا الحادث إلا أنه لفت نظري أمرين
الأول: تصريح الشرطة المصرية بأن مسلحين اختبأوا بإحدى الحدائق، وتتبّعوا خط سير جمعة، وأطلقوا النار عليه، ما أدى لإصابة حارسه الخاص بإصابة طفيفة في قدمه، ونسبت العملية مباشرة إلى حركة تابعة لجماعة الإخوان في مصر تطلق على نفسها اسم “حسم”.
الأمر الثاني: حينما شاهدت على جمعة وهو يخطب الجمعة بعد الحادث مباشرة – على اليوتيوب – في المسجد الكائن بجوار بيته في مدينة السادس من أكتوبر، في منطقة تسمى “سوميد”، إذا به بين مجموعة من الحراس في المنبر وحوله، وإذا برجل يرتدي ملابس مدنية يُشْهر سلاحه أثناء الخطبة في وجه المصلين، الذين لم يتعدوا العشرات.
أقول: لا أستبعد بداية أن تكون الداخلية بترتيب من المخابرات، هي التي دبّرت هذا الحادث وهذا ليس بجديد عليها، وهناك أحداث كثيرة مشابة تم الترتيب لها من قبل، وإلصاقها بعد ذلك للشماعة الجاهزة، وهم الإخوان المسلمين، وحتى تكون مقدمة طبيعة للقبض على الشباب وإيداعهم السجون، وخصوصًا أنهم يعرفون _ أي المخابرات_ أن على جمعة الذي يتحدّث باسمهم ويدافع عن السيسي ورجاله، لديه عداوة تاريخية مع الإخوان، وهو الذي وصفهم بأنهم خوارج هذا العصر، وأنه لابد من القضاء عليهم وتطهير مصر منهم، حسب زعمه. بالرغم من حضوره في فترات سابقة لفعاليات نظّمها الإخوان في عهد المخلوع حسني مبارك، وخصوصًا في إفطار رمضان الذي كانت تنظمه جماعة الإخوان المسلمين كل عام في وقت سابق.
هذه هي حال مصر السيسي في التعامل مع العلماء، وهذا للأسف تعامل بعض العلماء مع السيسي ورجاله، فعلي جمعة – للأسف – يسير في فلكهم، ويفتي لهم بالفتاوى التي تُثبِّت عرشهم وسلطتهم على الشعب والأمة، ولا يعترض على كم الانتهاكات الصارخة التي يمارسها رجال السيسي وزباينته في حق الشعب المصري، فبدلا من أن يقف العالِم في وجه السلطة الغاصبة، ويعلن غضبته لله لما يحدث من انتهاكات، نراه في خطبه، وفتاواه على الفضائيات وغيرها، يلبس لباس المُدافع الهُمام عن السلطة ورجالها. مثل هؤلاء العلماء الذين لا يعملون بعلمهم، وفقههم، هم شر البرية، وسوف يأتون يوم القيامة يجرون أذيال الخيبة والندم لوقوفهم مع الظالمين، وعدم وقوفهم مع المظلومين، هذه النماذج بطبيعة الحال لا يذكرها التاريخ إلا بالخزي والعار، أمّا العلماء العاملون الذي يقفون في وجه الظلم والظالمين فلهم شأن آخر.
فعندما يرضى العالِم لنفسه أن يكون بوقًا للطواغيت الظالمين، ويبرر ظلمهم ويزينه في أعين الناس، ويصبغ عليهم وعلى نظامهم الشرعية بعبارات الإطراء والولاء والفداء، ويمنع من جهادهم والإنكار عليهم، فإنه مباشرة يفقد دوره الريادي المنوط به، ليصبح من الذين ضلوا وأضلوا، ويكون مثله في ذلك مثل سحرة فرعون قبل أن يقولوا: (آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) (الأعراف: 122).
ويقول الله تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ( البقرة: 174)، وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (أخوف ما أخاف على أمتي بعدي الأئمة المضلون). وقال سعيد بن المسيب: (لا تملئوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بالإنكار بقلوبكم لكي لا تحبط أعمالكم الصالحة).
وإذا نظرنا في تاريخينا الإسلامي، سنجد نماذج فذة للعلماء الشرعيين الذين وقفوا ضد الظلم والظالمين، فالعالم الحقيقي هو الذي يقول الحق، ولا يبالي ما يصيبه بعد ذلك، ولا يخاف في الله لومة لائم، هكذا وجدنا سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام، والإمام النووي، وابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، الذين قضوا ما قضوا في السجن، ومات ابن تيمية وهو في السجن، وفي العصر الحديث لمعت أسماء في سماء ميادين الجهاد، مثل: عبدالحميد بن باديس بالجزائر مؤسس جمعية علماء المسلمين التي كان لها أثرها في الوقوف في وجه المستعمر الفرنسي، والشيخ عز الدين القسام في الأرض المباركة فلسطين، وغيرهم من منتسبي العلم في السودان ونيجيريا وأقصى أفريقيا، فاستحق صنيع أولئك أن يخلد ذكرهم.