كنت أمشي مسرعا داخل الطائرة كأني سأجدها هناك، وقتها وددت لو كنت طيارًا فأصل إلى وجهتي سريعا، كنت أفكر فيها طوال طريقي، وكيف ستستقبلني، حتى رأيتها في أبهى حلة وأعطرثياب؛ فتبسمتُ وتبسمت:
فلما تلاقينا وعاينت حسنها تبين لي أنما كنت ألعب
فحين وصلت لرابعة هان عليّ تعب الطريق، وخاصة وأن قلبي يشتاق لأحبته الساكنين هناك جسدا وفيّ روحا، أما عقلي فكان يفكر في كل ماقيل عنها؛ فهل حقا هناك سلاح، وهل حقا من يدخل لايخرج، وهل حقًا هناك أموال توزع، قلت لعلني أجد الدليل!!
حاولت أن أفصل بين حبي لها ولهم ومحاولتي تبين الحقائق؛ فكيف ينتج هذا الإعلام كل هذه المسلسلات دون حتى خيط لجريمة، ربما المخابرات تحدث هناك مايريب، وهناك… وجدت كل غريب!!
الابتسامة هناك هي كلمة المرور المعتمدة ، وبها اتسع الميدان للمحبين ، هذا يسلم عليك بحرارة كأنه يعرفك ، وهذا يقسم عليك أن تأخذ وجبة إفطاره ، وهذا يسرع بإهدائك نصيبه من الحلوى أو الشاي، وهذا يؤثرك بمكان نومه وينام خارج الخيام .
تجولت أكثر وأكثر فإذ بها حديقة فيحاء بزهور ندية ، وبعطور زكية ، غمرتها أجواء إيمانية؛ تجعلك تندم على ماضاع في غربتك قبل أن تلقاها.
هل هؤلاء هم المتهمون من قبل الإعلام ؟! أين ؟ وأين؟! وأين ؟! ليت الجميع يأتي إلى هنا ليعلم الخبر ويستيقن من الأمر “ولاينبئك مثل خبير.”
نظرت في أغلب الخيام ؛ فإذا سلاحهم قرآنهم ، وإذا هجومهم دعاؤهم ، وإذا تدرعهم قيامهم ؛ فانهمرت من عيني دموع لم أملكها ! كيف يارب يصدق الناس ما يقال عن هؤلاء الأطهار؟! كيف شيطن الإعلام هؤلاء المؤمنين فجعلهم دعاة النار؟!
كان الصغير قبل الكبير في رابعة يعرف لم يثور ، ولم ينادي بعودة الرئيس ، ولكنه لايعرف ماذا بعد !
غير أن جهله بماذا بعد لم يثنه عن عزمه ، فقسمات وجه الثائر هناك كانت تنطق بلسان الحال لاالمقال :
كل الذي أدريه أن تجرعي كأس المذلة ليس في إمكاني
أهوى الحياة كريمة لاقيد لا إرهاب لااستخفاف بالإنسان
فإذا سقطت أحمل عزتي يغلي دم الأحرار في شرياني
فخرجت مع شباب مركزنا ومحافظتنا في مسيرة سلمية؛ لنعرفَ الناسَ الحق المسلوب ،وليعلم الجميع أن الحرية هي الغاية والمطلوب، وهناك رأيت ما لم أره من قبل، ففي أثناء عودتنا للميدان قبيل الفجر وفي وقت السحور؛ وجدت أغلبهم يشترى مأكولات خفيفة للسحور؛ فقد نصل رابعة مع أذان الفجر، وفوجئت في هذا الموقف بمن يدفع لمن لايعرفه، ومن يطعم من لايعرفه !
وفوجئنا عند وصولنا للميدان قبيل الفجر بدقائق بأكثر من ألف شخص يحملون سحورهم وزجاجات ماء في انتظارالعائدين !!
فقلت في نفس : والله إن مكوثي هنا ليلة واحدة علمني أشياء عمليًا لطالما سمعت عنها نظريًا .
فقال لي صديقي – بعدما سمع كلامي عن رابعة: هذه رابعة التي يتحدث عنها الإعلام المصري ، فما العيب الذي تجده هنا ؟
قلت : ما وجدت هنا إلا كل خير إلا أن عيبهم الوحيد يعبر عنه الشاعر بقوله :
ولاعيب فيهم غير أن نزيلهم يُعاب بنسيان الأحبةِ والأهلِ
أعرف أناسا لم يغادروا رابعة حتى قتل الخائنون زهرة شباب رابعة ، ورغم زيارتي القصيرة لهناك إلا إنني أكاد أجزم أن رابعة جامعة تربوية تخرج منها ملايين الصادقين” من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه “، منهم المتفوقون الأوائل الذين اصطفاهم الله وأكرمهم بجناته – بإذن الله – وختم حياتهم بعد صيام وقيام وجهاد وذكر وثبات “ منهم من قضى نحبه ” ؛ فكأن الله اختار الأوائل في المعسكر الإيماني ليعجل تكريمهم ، ثم المتفوقون وهم المعتقلون الثابتون الذين لم يزعزهم الاعتقال عن طريق الحق ، ثم الثارون الثابتون ” ومنهم من ينتظر ” ، ثم المطاردون الذين يتوقون للحظة الانتصار ” ومابدلوا تبديلا”
ومضت بنا الأيام حتى أسفرت عن وجهها الأحداث واختلط الدمُ
وتجدد الصوت الغريب نداؤه شؤم وأصوات المدافع أشأم ُ
فلقد ضن الخائنون على المخلصين بسكينة المعسكر الإيماني؛ كانت الرياح العاصفة التي أهاجها العالم المتأمر وأشرف عليها العسكر الخائنون، فاقتحموا الواحة الظليلة حقدا على حياة لم يعيشوها، واغتصابا لوطن لم يحبوه، وقتلا لبراءة لايعبأون بها.
ورغم ثبات المخلصين إلا أنهم لم يراعوا فيهم حرمة ولادين؛ فقتلوا الكبار والصغار، وشردوا النساء والأطفال، واعتقلوا قدر مااعتقلوا، ثم خرجت كلابهم تنبح في شوارع مصر راقصين ومغنين للقاتلين، وكانت ” تسلم الأيادي” شكرا منهم لمن اغتال الإنسانية ببلادهم وبلادي!!
وبعد ثلاث سنوات من اغتيال البراءة في وطني ، وبعد مصاحبتي لمجاهدي الفيس بوك وجدت نفسي تنتقد وتقول أن كلام المنصة غير المسؤول، ولم لم يفكروا في خطط بديلة سريعة و.. ؛ فقلت ويحك يانفس ، ومافائدة البكاء على اللبن المسكوب، ومن أنت حتى تنتقدي من ضحى بعمره؟! ، أو تذمي من مات ابنه أو ماتت ابنته ؟!، أو تتهمين من مازال قابعا في السجن ينتظر من يدافع عنه لاليهاجمه !! ، أتهاجمين يانفس المقتول وتتركين الغاصب يرتع بكل غرور؟! ، أنجلد المجلود ونترك السوط في يد الجلاد ؟!
مازلت مصمما – رغم بعض الملاحظات- على أن رابعة أيقونة الحرية ، وملتقى الأحرار ، ومركز تدريب الثوار.
فسلام على كل من تخرج من جامعة رابعة ، وتحية لكل من وطأت رجله تراب رابعة ثائرا ، وكأني أرى جموع الثائرين تجتمع ثانية في ميدان العزة والنصر ؛ فرابعة لم تمت ؛ فسنبلة قمح تجف تملأ الدنيا سنابل ؛ فإن ماتت بمصر رابعة ؛ فقد أزهرت في ربوع مصر وربوع العالم ألف رابعة ، وما نجاح تركيا عنا ببعيد .