باتت مواقع التواصل الاجتماعي تشكل تهديدًا كبيرًا لدولة الاحتلال الإسرائيلي، بعدما نجحت في تحقيق أهدافها والأغراض التي تساعد في حشد الرأي العام ضد قضايا معينة، ومنها القضية الفلسطينية، وأصبحت مواقع التواصل جبهة جديدة تهدد “إسرائيل”، مما دفعها لتحويل هذه الجبهة لصالحها وليس ضدها.
وناهضت دولة الاحتلال بمناهضة حملات المقاطعة العالمية من خلال الضغط عن طريق قنوات حكومية رسمية على موقع تويتر؛ لحذف تغريدات معينة بحسابات شخصية، تدعو لمقاطعتها.
الفشل في الحرب
وكان عضو الكنيست الإسرائيلي عن حزب “المعسكر الصهيوني” نحمان شاي، قد اعترف في مقال بموقع لوبس إن إسرائيل تفشل في حربها ضد حركة المقاطعة العالمية، لافتًا إلى أنها ركزت جهودها على الجانب العسكري بينما يصعّد الفلسطينيون حملاتهم على جبهات عدة.
وأوضح شاي أن “إسرائيل” تنظم منذ اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000م، حملة علاقات عامة ودعائية للتعامل مع التحديات وامتصاص تبعات الانتفاضة، ولكن دون جدوى.
وأضاف شاي الذي كان ناطقًا باسم جيش الاحتلال: “أن إسرائيل تخوض حربا جديدة، جزء منها في المعركة مع الفلسطينيين الذين أسقطوا بهجماتهم ما يزيد عن ألف قتيل وجريح إسرائيلي، وجزء منها في مواجهة الرأي العام العالمي لتكذيب الرواية الفلسطينية للأحداث”.
وفي أعقاب انتهاء الانتفاضة الثانية، قال شاي: “إن الفلسطينيين أدركوا أن طريق العنف بات مغلقا بفعل الجهود الإسرائيلية ضدها، مما جعلهم يسارعون إلى انتهاج حملة إعلامية على عدة جبهات وعبر عدة وسائل، وذلك لنزع الشرعية عن إسرائيل وعزلها لتقبل في النهاية بإقامة الدولة الفلسطينية”.
واعتبر شاي أن الفلسطينيين يستلهمون تجربة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا التي تعرضت لمقاطعة عالمية، حيث ينظم الفلسطينيون حملات دبلوماسية واقتصادية وأكاديمية وقضائية ضد إسرائيل.
بوادر حملات المقاطعة
ورأى الكاتب أنه رغم وضوح بوادر الحملات الفلسطينية للمقاطعة قبل سنوات، فإن “إسرائيل” لم تقرأها جيدًا، بل ركزت على القوة العسكرية، بينما تحقق حركة المقاطعة العالمية “بي.دي.أس” نجاحات عالمية وينضم إليها أعداء جدد لـ”إسرائيل”.
وختم بالقول: “إن إسرائيل لم تقم بجهد جماعي ضد المقاطعة، بل تعمل كل وزارة إسرائيلية بمفردها، لذا لم تحقق تلك الجهود نتائج إيجابية”.
التحريض على “السوشيال ميديا”
وبعد إدراك الاحتلال الإسرائيلي لنجاح مواقع التواصل، طالب بتحرك دولى واسع ضد شبكات ومواقع التواصل الاجتماعى “السوشيال ميديا”، بحجة أنها تحرض على الكراهية وتساعد على نشر الإرهاب فى العالم، على حد زعمها.
وزعم وزير الأمن الداخلى الإسرائيلى الذى يشغل أيضًا منصبى وزير الشئون الاستراتيجية والإعلام جلعاد أردان، خلال كلمته بمؤتمر عقدته جامعة “بار إيلان” الإسرائيلية ، حول “كيفية مواجهة مقاطعة إسرائيل”، إن الإرهاب الذى ضرب بروكسل هو نفس الإرهاب الذى يضرب تل أبيب والضفة الغربية والقدس المحتلة، وكل ذلك يحدث بسبب عدم تعاون العالم لمواجهة شبكات التواصل الاجتماعى.
وادعى الوزير الإسرائيلى أن السلطة الفلسطينية تحرض ضد “إسرائيل” باستخدام تلك الشبكات، كما أن حملات المقاطعة التى تشنها منظمات المجتمع المدنى فى أوروبا ضد المنتجات الإسرائيلية تستخدم أيضا تلك الوسائل.
وأضاف أرادان، خلال المؤتمر الذى حضره 40 سفير وقنصل من جميع أنحاء العالم لدى إسرائيل كان من بينهم السفير المصرى والأردنى، حسب صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، إن مواقع التواصل الاجتماعى المتمثلة فى “الفيس بوك” و”تويتر” و”اليوتيوب” يجب أن تتوقف عن الأعذار والبدء فى محاربة رسائل الحقد ووقف نشرها عن طريق إزالة المستخدمين لها من تلك الشبكات.
وتناول المؤتمر أيضًا تعامل الاحتلال الإسرائيلي مع المجتمع الدولي فيما يتعلق بحملات المقاطعة ضده، وسحب الاستثمارات ووضع العلامات على المنتجات الإسرائيلية كعقوبات ضد “إسرائيل”، بسبب الاستيطان.
وقال وزير الشئون الاستراتيجية الإسرائيلى: “إن إسرائيل لا يمكنها أن تتبع جميع المستخدمين لشبكات التواصل الاجتماعى، ولكن الشركات المسئولة عن تلك المواقع لديها التكنولوجيا ومنصة للتحرك ضدها ويمكنها وقف نشر رسائل الإرهاب”، مضيفًا أنه يمكن تقاسم العمل جنبًا إلى جنب مع الدول الديمقراطية الأخرى، لغرس معايير جديدة لحرية التعبير، على حد قوله.
غسيل مخ
كما أدعى أردان أن الشبكات الاجتماعية تجرى “غسيل مخ” لمستخدميها، قائلا: “الإرهاب يهدد حياتنا وأمننا فى إسرائيل، منذ سبتمبر 2015 الماضى، وإسرائيل تشهد موجة من العنف ضدها قتل وجرح بسببها العشرات من الإسرائيليين، وذلك بغسيل الدماغ عن طريق الشبكات الاجتماعية والقنوات التلفزيونية التابعة للسلطة الفلسطينية للشباب الفلسطينى”.
وشن الوزير الإسرائيلى، هجومًا شديدًا للغاية ضد حركات المقاطعة الأوروبية والدولية ضد “إسرائيل”، والمعروفة بـ”BDS“، والتى تتحرك دوليا لفرض عقوبات على الدولة العبرية بسبب الاستيطان في الأراضى الفلسطينية المحتلة، قائلاً: “إن هذه الحركات تقدم صورة مشوهة وأحادية الجانب للوضع في إسرائيل، ولم تهدد فقط إسرائيل بل المجتمع الدولى بأسره، مضيفا “أن هذه مجموعة صغيرة من الغربيين مؤيدين للفلسطينيون الذين يرفضون حق إسرائيل فى الوجود وهى تفعل ذلك تحت غطاء الحرية ولكنها تخفى أجندتهم الحقيقية”، على حد زعمه.
واستطرد الوزير الإسرائيلى هجومه قائلا: “هدف تلك الحركات الدولية، هو تدمير إسرائيل وذلك عن طريق تهديد شركات إسرائيلية، والشركات الأجنبية التى لديها علاقة مع إسرائيل، بالإضافة إلى الدعوة لقطع العلاقات ة العلمية والاقتصادية والثقافية بين إسرائيل والمجتمع الدولى”.
“تويتر” يتجاوب
من جانبه كشف ريتشارد سيلفرشتاين المدون والصحفي الأمريكي المعروف بمواقفه المناهضة للاحتلال الإسرائيلي، أنه تلقّى قبل أيام رسالة من موقع تويتر تبلغه بأن المدّعي العام الإسرائيلي قدم شكوى بخصوص تغريدة كتبها سيلفرشتاين في حسابه قبل أكثر من شهرين، وأنه مطالب بحذفها؛ لأنها “تنتهك القانون الإسرائيلي”.
وكون شركة تويتر تقع في كاليفورنيا، والصحفي ليس من الإسرائيليين، أجاب بالرفض على الطلب، قائلاً: “إن القانون الإسرائيلي لا ينطبق عليه، وهو غير ملزم باتباعه”.
إلا أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فوفقاً لموقع “+972” الإسرائيلي، حدّثت شركة تويتر الموقع ليصبح من الممكن حجب تغريدة عن مستخدمين معينين بحسب موقعهم الجغرافي، وبذلك أبلغت “تويتر” سيلفرشتاين أن تغريدته المعترض عليها لن تظهر أمام المتابعين والمستخدمين الذين يقطنون في دولة الاحتلال.
ويعتبر الأمر تطورًا خطيرًا في سياسة الموقع، وتجاوبًا غير مسبوق مع طلب وزارة القضاء التابعة لحكومة الاحتلال.
وطلبت حكومة الاحتلال تفاصيل ومعلومات أخرى حول 4 حسابات، وطالبت بإغلاقها بالكامل، بشكل عاجل، خلال عام 2015م.
وفي حين لم يصدر بعد التقرير السنوي لعام 2016م، إلا أن قصة حجب تغريدة الصحفي الأمريكي أمام الإسرائيليين والموجودين بدولة الاحتلال ستكون من القصص الأبرز؛ نظراً لاستجابة تويتر لها، ولما في ذلك من إسهام في محاربة حركة المقاطعة، وانتهاك حرية المعرفة.
اعتقال بسبب المنشورات
ولا تقتصر محاولة تحكّم الاحتلال الإسرائيلي بأثر وسائل التواصل الاجتماعي على حجب محتواه، بل أصبحت التغريدات ومنشورات فيسبوك سبباً كافياً للاعتقال والتحقيق، وحتى السجن ودفع الغرامات؛ إذ أطلق الاحتلال اسم “التحريض” على كل ما يعبر عن الوعي السياسي الفلسطيني، وما يشمل ذلك من اتخاذ مواقف والتعبير عنها.