ليس السؤال هو لماذا استقال رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان المصري من موقعه، لأن السؤال الصحيح هو لماذا لم يستقل الآخرون؟ والآخرون هم أمثاله من الممسكين بملفات حقوق الإنسان في أجهزة الدولة ومؤسساتها. وعلى رأسهم المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي شكلته الحكومة. وأرجو ألا يخطر ببال أحد أن المنظمات الحقوقية المستقلة يشملها السؤال، لأنها تجاهد وتحاصر وتتعرض للملاحقة والإغلاق لسبب جوهري، هو أنها تحاول التعامل مع الملف بما يستحقه من جدية ومسؤولية.
القصة ظهرت على السطح في الأسبوع الماضي. حين أعلن رئيس اللجنة المذكورة السيد محمد أنور السادات أنه قدم استقالته من رئاستها، وحين سئل عن الأسباب التي دعته إلى ذلك في الحوار الذي نشرته له جريدة «الشروق» يوم الخميس (الأول من سبتمبر)، كانت خلاصة إجابته كالتالي: أنه أدرك أن هناك تجاهلا وحصارا للجنة من جانب رئيس المجلس وأمانته والحكومة، فطلباتها لم تلق أي اهتمام، والحكومة لم تتعاون معها، فلا حضر اجتماعاتها أحد من مسؤوليها، ولا سمحت لها وزارة الداخلية بزيارة السجون للتعرف على واقعها الذي اشتكى منه الجميع. وانتهى الأمر بأن صارت اللجنة موجودة على الورق وغير فاعلة في الواقع، كأنما كان تشكيلها من قبيل استيفاء الأوراق والحفاظ على الشكل «والديكور».
ما ذكره النائب محمد أنور السادات صحيح لا ريب، لكن المشكلة أكبر وأعمق من مجرد التجاهل والازدراء. في هذا الصدد أزعم أن المشكلة أن رئيس اللجنة صدق أنه رئيس حقيقي، وأن دور اللجنة الحقيقي مطلوب، وتصور أنه أراد أن يأخذ الأمور على محمل الجد، بحيث تمارس اللجنة وأعضاؤها المنتخبون مسؤوليتهم في التعامل مع ملف حقوق الإنسان. فتتحرى مدى صيانة تلك الحقوق وتطالب بالحد من الانتهاكات والتزام المنظومة الأمنية بحدود القانون.
ولا أعرف كيف غاب عن رئيس اللجنة أن تشكيلها مطلوب حقا، بشرط القبول باستمرار الممارسات والانتهاكات الأمنية، وعليه أن يوسع صدره وأن يتحلى بالمرونة اللازمة للحفاظ على وجود اللجنة واستمرار الانتهاكات. وربما جاز لنا أن نقول إن اللجنة البرلمانية تماما كما المجلس القومي مطلوب منهما أن يقوما بدور «المحلل»، الذي يغض الطرف عن الانتهاكات في مصر، وأن يؤدي دوره بجدارة ويرفع صوته عاليا لشجب الانتهاكات التي تحدث في العالم الخارجي، (باستثناء الدول الشقيقة التي تدعم مصر اقتصاديا وسياسيا).
بكلام آخر، فإن المطلوب هو أن تلعب اللجنة في فريق الحكومة، خصوصا أن المجلس برئاسته وأمانته فهموا الدور وأصبحوا ضمن اللاعبين الأساسيين، وصار نجاحهم في ذلك مشهودا ومرضيا عنه، وهو ما يعزز الفكرة التي أشرت إليها من قبل، وتمثلت في أن اللعب مع الحكومة هو أحد شروط استمرار المسؤول في موقعه.
وكان المستشار هشام جنينة أحد الذين رفضوا الانضمام إلى الفريق القومي وضاق بالجلوس في مقاعد البدلاء، وحين أراد أن يأخذ المسألة على محمل الجد، محتميا بالقانون الذي حمل جهاز المحاسبات مسؤولية محاربة الفساد، جرى له ما جرى. ليس فقط «لتأديبه» وعقابه على جرأته، ولكن أيضا لردع غيره ممن يظنون أن الدستور والقانون يمكن أن يوفرا لهم الحصانة والحماية.
من المصادفات أن يتم إعلان استقالة رئيس اللجنة البرلمانية لحقوق الإنسان من منصبه في توقيت متزامن مع إطلاق حملة وقف الاختفاء القسري في مصر، وإعلان المنظمات الحقوقية أنه خلال العام الأخير منذ أغسطس عام 2015 وحتى أغسطس 2016، تعرض 912 شخصا للاختفاء القسري، وهو رقم إذا صح، فإنه يضع المسؤولين عن حقوق الإنسان في دوائر السلطة في موقف حرج للغاية. بحيث تصبح استقالاتهم من مناصبهم هو الموقف الشريف الوحيد المقبول منهم.