الطابور شئ أساسي واعتيادي في حياة المصريين، صحيح أن الطابور شئ معروف في كل العالم حتى في “المطاعم الكبرى” ، ولكن الطابور في مصر شئ آخر، إذا أردت خبزاً أو أنبوبة غاز أو حصتك في التموين الشهري أو لبناً لطفلك أو سماداً لأرضك أو لاستخراج ورقة حكومية أو التقديم للحصول على شهادة ما أو رخصة فعليك حرفياً أن “تناضل” في الطابور منتظراً.
يقف المصري في الطابور “طواعية مجبوراً”، لا تسألني كيف؟ فأي مصري سيفهم معني هذه الجملة المتناقضة تماماً، فالمصري رغم ما يعانيه في هذا الطابور من دفع مال يحصل عليه بمشقة وثانياً لوقت طويل يقضيه في هذا الطابور وثالثاً جهداً يُبذل في الانتظار سواء في حر الشمس أو برودة الشتاء، وفي النهاية يحصل على منتج لا يصلح للاستخدام الآدمي! ولكنه يفرح به للأسف.
يقف المصري في طابور الخبز لأنه يحتاج الخبز ليطعم نفسه وأسرته، وجودة الرغيف لا داع للحديث عنها، ويقف طويلاً في طابور مستودع أنابيب الغاز ليحصل على أنبوبة لا تكمل معه 15 يوماً وبأعلى سعر ولكنه يحتاجها، ويقف في طابور التموين ليحصل على زجاجة زيت تأبي أي سيارة أن توضع لمحركها! ويدفع مقابل كل هذا .. ولازال يقف .. وسيظل يقف؟
فالمواطن المصري الذي يعمل طوال الشهر ويحصل على القليل فيقسمه لإيجار وكهرباء وماء وغاز وطعام وشراب مضطر أن يقف في هذه الطوابير السالف ذكرها، تجده هو نفسه “وقت الحاجة” يقف في طابور شباك تذاكر السينما ليشاهد فيلما كي يروح به عن نفسه وأسرته كما يظن ويسعدهم ويتنازل عن بعض الأموال لقاء هذه الحاجة “الفرحة – السعادة – الضحكة – فعل شئ غير اعتيادي” نعم في مصر لكثير من الفئات فإن دخول السينما فعل غير اعتيادي.
إنها الحاجة!!
لما سبق عندما تكون “الثورة” مطلباً وحاجة ضرورية وأساسية لا يستطيع شعب مصر –أو قطاع منه- التنازل عنها بل ويسعى إليها، سينتقل المواطن المصري إلى هذا الطابور.
وهذا الطابور أيضاً سيدفع فيه المواطن ثمن غالي جداً، وسيبذل فيه وقتاً وجهداً ومالاً .. بل ونفس، وكم من روح زهقت في سبيل رغيف خبز أو أنبوبة غاز! فما أهون أن تبذل في سبيل إنقاذ مصر وشعبها وأجيالها الناشئة، مع الأخذ في الاعتبار الفارق الحقيقي هو أن السلعة التي سيحصل عليها المواطن في النهاية مختلف، المنتج هذه المرة يستحق، السلعة فاخرة .. الحرية، الكرامة، العزة، الرخاء.
لذا وجب على القوى السياسية –وأراها صاحبة المسؤولية الأولى- التي تناهض هذا الحكم العسكري الدموي المخرب لمصر أن تعمل على أن تكون الثورة هى أولى أولويات قطاع عريض جداً من المواطنين المصريين، وهذا يحتاج –من وجهة نظري المتواضعة- إلي عدة نقاط لابد من إنجازها وتحقيقها أسردها في 7 نقاط.
أولاً: وحدة الصف الثوري والسياسي، والخروج برؤية ورسالة وخطة واضحة ومحددة.
على معسكر رفض الانقلاب أن يجمتع ويتحدث، وأن يسعى فريق منه أن يتحد –لإني لا أظن أنه كله سيقبل الاتحاد سوياً- ويخرج برؤية ومشروع يقدمه ليس للمصريين فقط، بل للعالم أجمع، رؤية ورسالة وخطة تجيب على أي تساؤل حول الثورة والدولة والسياسة والجيش والاقتصاد والتعليم إلى آخره.
ثانياً: تحييد من “لا نستطيع – أو لا نريد” ضمه للصف الثوري.
لابد على القوى السياسية وضع رؤية واسلوب في التعامل فمن لا نستطيع ضمه إلينا، فعلى الأقل أن نتمكن من كف سهامه عنا، ومن لا نريد نحن ضمه على الأقل يصبح صديق من الخارج بدلاً من أن يصبح عدواً، وتحدد من يستحق رسالة تطمين منا وإرسالها له.
ثالثاً:إعلام ثوري وسياسي متكامل واحترافي ليصبح قوي ومؤثر.
إعلام حقيقي، سواء المرئي أو المسموع أو المقروء أو حتى في السوشيال ميديا، إعلام يرفع من وعي المواطن والثوار، اعلام قادر على صناعة رأي عام وتوجيه الشعب، وليس إعلاماً يلتقط ما يلقى له من هنا أو هناك، إعلام لديه خطة وأهداف، إعلام درس نفسية هذا الشعب ليعلم كيف يؤثر فيه.
رابعاً: حراك ثوري متنوع داخل مصر متصاعد ومخطط له بدقة.
يجب أن يكون هناك حراك ثوري فعال على أرض مصر، يؤرق العسكر ويشغلهم ويحيي الأمل في نفوس آلاف وآلاف المواطنين الذين عادوا لبيوتهم تاركين الشوارع والميادين، فمؤيدين الثورة أعدادهم أكبر مما تتخيلوا، هم فقط يريدون رؤية حراك له قادة وخطة وسيكونون في الصفوف الأولي.
خامساً: حراك ثوري خارج مصر “منتظم – وفعال”.
هذا دوره هام للغاية، واستمراره بفعاليات مبتكرة ومنتظمة سيكون له أثر بالغ في دعم الثورة، وسعى ثوار الخارج إلى التعريف بالقضية على نطاق واسع ومخاطبة شخصيات عامة غربية وشرقية “سياسيين – رجال أعمال ومستثمرين – فنانين – رياضيين – إعلاميين – وغيرهم” وجذبهم إلى تأييد قضيتك العادلة سيصنع فارق حتماً.
سادساً: ضغط حقوقي وقانوني مدروس على القوى الإقليمية والدولية المؤيدة للعسكر.
الملف الحقوقي لابد أن يفعل بشكل أكبر، وأن يؤخذ من منظور القوة لا الضعف والبكائيات، يؤخذ من منظور أن هناك قاتل لابد أن يعاقب ومجرم لابد أن يسجن، والتحرك القانوني ضد مجرمي الانقلاب بل ومؤيديهم وداعيميهم لابد أن يتم بحرفية، وأن يتم محاصرتهم، وأن نسعى للحصول على إدانة لأحدهم، والأدلة لدينا لا حصر لها.
سابعاً: استثمار كافة الأزمات وحالة فشل العسكر في حكم مصر.
لا يكفى أن يصبح عدوك فاشلاً ليسقط، نعم هو فاشل وإن الله لا يصلح عمل المفسدين، ولكن عدوك ليس غبياً، فهو يفشل ويجرد الشعب من كل شئ ولكنه يفعل هذا وفق خطة ولديه أبواق إعلامية وإرث من الجهل والقمع يحميه حتى اللحظة، فعلى الثورة أن تعرف كيف تستثمر بحق هذا الفشل.
أعتقد عندما يحقق معسكر رفض الانقلاب وحكم العسكر هذا سينتقل المواطن المصري “طواعية مجبوراً” من طابور الخبز إلى طابور الثورة.