عاد أحمد عز إلى الكتابة، عاد الرجل الأقوى في نظام حسني مبارك السياسي والاقتصادي إلى الصحافة، بمقالٍ مزدحم بالأرقام الضخمة عن اقتصاد مصر مع عبد الفتاح السيسي، مع دعوة مجانية للتفاؤل، من دون حدٍّ أقصى.
فعلا، يدفعنا مقال أحمد عز في صحيفة المصري اليوم إلى التفاؤل، ليس لأن ما ورد فيه من أرقام وإحصاءات وتحليلات يؤشر على تعافي الاقتصاد وانطلاقه، وإنما لأن ظهور مقالات عز في الصحافة يعد، وحده، سبباً للتفاؤل، باقتراب نهاية مرحلة الانهيارات الكبيرة في كل شيء، من الاقتصاد إلى السياسة إلى القيم.
يقول أحمد عز، أو بالأحرى يقول كاتب مقال أحمد عز: ليس هدفي السعي وراء الظهور في الساحة العامة. لكننى رأيت، بدافعٍ وطني، أن أشارك في دعوة الجميع إلى التفاؤل.
تفاؤل مدعوم بحقائق اقتصادية من أرض الواقع. أستند إلى خبرة سابقة اكتسبتها كرئيس لجنة الخطة والموازنة في مجلس الشعب لمدة 10 سنوات متتاليات، بالإضافة إلى عملي الطويل في الصناعة. ظني وثقتي أن مشاكل اقتصادية كثيرة في طريقها إلى الحل”.
شخصياً، أتفاءل بالمقالات التي تحمل اسم أحمد عز، بصرف النظر عن أنها محشوّة بأوهامٍ ملونةٍ لاستدراج المواطن البسيط إلى الأمل الكاذب، ذلك أن التاريخ ينبئنا بأن الدفع برجل الحديد والسياسة إلى ساحة الإعلام يكون مقدمةً لزلزال سياسي كبير، كما جرى على بعد ثلاثين يوماً فقط من ثورة يناير 2011، حين كتب أحمد عز، أو كتبوا لأحمد عز، مقالين نشرا على يومين متتابعين في صحيفة الأهرام، يدعوان أيضاً إلى الثقة في المستقبل السياسي لنظام مبارك، والتفاؤل بمستقبله الاقتصادي.
وقتها، كتبت “يمكن التعامل مع مقالات الكاتب الكبير أحمد عز الساخرة، في (الأهرام) على مدى اليومين الماضيين، باعتبارها نوعاً من التسالي هي الأخرى، على أساس أن السيد الرئيس لم يصادر حق أحد في أن “يتسلى” سياسياً عندما أطلق مقولته التاريخية في افتتاح البرلمان (خليهم يتسلوا)، وذلك عندما جاءت سيرة البرلمان الموازي”.
صحيح أننا، في سنوات التسالي التي طالت كثيراً على نحو غير مسبوق، إلا أن تسليةً عن تسليةٍ تفرق، فهناك من يتسلى معنا، ومن يتسلى بنا، ومن يتسلى علينا، وهناك من يتسلى على نفسه.
ويمكنك أن تضع “مقالات عز” في المساحة الواقعة بين النوعين الأخيرين، من دون أن تنتقص أو تسفّه من جهد الكتيبة التي أنتجت المقالات، وقدمتها على أنها فخر الصناعة الحزبية في مصر.
كان المقال الأول عن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وقد تكفّل بنفسه، وتبخر بفعل تلك الغابة الكثيفة من الدخان المنبعث من مستودعات الأرقام الصماء التي لا تقول شيئاً، ولا تدل إلا على أن مطلقها إما يتحدّث عن شعبٍ آخر غير المصريين، أو يقصد بلداً آخر غير مصر.. إلا إذا كان المصريون جميعا قد أصيبوا بعمى البصر والبصيرة، فصاروا لا يشعرون بالنعم التي يرفلون فيها، ولا يستطيعون رؤية مؤشر النمو، وهو يقفز برشاقةٍ إلى الأعلى والأمام.
ولأن المقال الأول جاء جافاً وبارداً، فقد أتى المقال الثاني أكثر دراميةً وخفة ظل، حيث حفل بمئات المشاهد التي التقطتها كاميرا عز لجميع مرشحي المعارضة و”الإخوان” والمستقلين، ومواقف مسجلة باليوم والساعة والثانية، بما يجعلك تضرب كفاً بكف من أين للسيد عز بهذه الطاقة الجبارة والقدرة على الرصد والتحليل والاستنتاج؟
وما هي إلا أيام، حتى اشتعلت ثورة التهمت أحمد عز ونظامه وحزبه ومقالاته، أتت على المبنى والمعنى، ولم تعد تصلح مقالات أحمد عز لشيء، إلا كوقود لمحاولةٍ بائسةٍ من وزير الخارجية في ذلك الوقت، للضحك على المجتمع الدولي، وإيهامه بأن الأوضاع مستقرّة، ولا توجد في مصر ثورة، وترجم مقالي عز لكل اللغات الحية، وطلب من بعثاته توزيعها على جميع الدوائر السياسية في البلاد التي يوجدون فيها.
هذه دعوة للتفاؤل بمقال أحمد عز، وفي انتظار ترجمته للتسويق الخارجي.