في إطار سرقة الرموز، لتعظيم الرصيد العلماني، وإفقار الجانب الإسلامي، قادت السذاجة كثيرا من الكتاب الإسلاميين فوضعوا سعد زغلول باشا (1273– 1346هـ، 1857– 1927م) في سلة العلمانية والعلمانيين!
ولقد غفل هؤلاء السذج عن أن سعد زغلول هو تلميذ الأفغاني (1245– 1314 هـ، 1838– 1897م) ومحمد عبده (1266– 1323 هـ، 1849– 1905م) وأنه كان بمثابة الابن الذي يرعى كل شؤون محمد عبده إبان سنوات المنفى خارج مصر بعد الاحتلال الإنجليزي لمصر.
كما أنهم يغفلون عن أن سعد زغلول أزهري النشأة والثقافة والتعليم، وأنه هو الذي أنشأ عام 1907م مدرسة القضاء الشرعي، التي كانت مع دار العلوم منارة التجديد للفقه والفكر الإسلامي في العصر الحديث.
ولقد خدع الخبث العلماني السذج من الإسلاميين بتصوير الشعار الذي رفعه سعد زغلول في ثورة 1919م، “الدين لله والوطن للجميع”، على أنه شعار العلمانية التي تفصل الدين عن الدولة، مع إن عبارة “الدين لله” هي كلمات قرآنية، وكون الوطن للجميع – جميع أبنائه – لا علاقة له بالعلمانية التي تعزل السماء عن الأرض، والعقل عن الشرع، والدين عن الدولة، لأن القرآن الكريم يقول عن الأرض – كل الأرض – وليس فقط الوطن- إنها للجميع “والأرض وضعها للأنام” (الرحمن 10).
وفوق هذه الحيثيات، فلقد كان سعد زغلول – وهو زعيم الأمة – صاحب النقد الأقسى لكتاب “الإسلام وأصول الحكم” الذي أصدره الشيخ علي عبد الرازق (1305– 1386هـ، 1887– 1966م) عام 1925م، محاولا فيه علمنة الإسلام، واعتباره دينا لا دولة، ورسالة لا حكم، ويومها قال سعد زغلول: “لقد قرأت كتاب “الإسلام وأصول الحكم” بإمعان لأعرف مبلغ الحملات عليه من الخطأ والصواب، فعجبت!.. أولا: كيف يكتب عالم ديني بهذا الأسلوب في هذا الموضوع؟!”.
لقد قرأت كثيرا للمستشرقين وسواهم، فما وجدت ممن طعن منهم في الإسلام حدة كهذه الحدة في التعبير، على نحو ما كتب الشيخ علي عبد الرازق.
لقد عرف أنه جاهل بقواعد دينه، بل بالبسيط من نظرياته، وإلا فكيف يدعي أن الإسلام ليس دينا مدنيا؟! ولا هو بنظام يصلح للحكم؟! فأي ناحية من نواحي الحياة لم ينص عليها الإسلام؟! هل البيع؟ أو الإجارة؟ أو الهبة؟ أو أي نوع من أنواع المعاملات؟؟ ألم يدرس شيئا من هذا في الأزهر؟! أو لم يقرأ أن أمما حكمت بقواعد الإسلام فقط عهودا طويلة كانت أنضر الأمم؟! وأن أمما لا تزال تحكم بهذه القواعد وهي آمنة مطمئنة؟! فكيف لا يكون الإسلام مدنيا ودين حكم؟! أين كان هذا الشيخ من الدراسة الدينية الأزهرية؟!
إن قرار “جماعة كبار العلماء” بإخراج الشيخ علي من زمرتهم قرار صحيح لا عيب فيه، لأن لهم حقا صريحا بمقتضى القانون، أو بمقتضى المنطق والعقل، أن يخرجوا من يخرج على أنظمتهم من حظيرتهم، وذلك أمر لا علاقة له مطلقا بحرية الرأي، والذي يؤلمني حقا أن كثيرا من الشبان الذين لم تقو مداركهم في العلم القومي، والذين تحملهم ثقافاتهم الغربية على الإعجاب بكل جديد، سيتحيزون لمثل هذه الأفكار، خطأ كانت أم صوابا، دون تمحيص ولا درس.
وكم وددت أن يفرق المدافعون عن الشيخ بين حرية الرأي، وبين قواعد الإسلام الراسخة “التي تصدى كتابه لهدمها”.
هكذا أدان سعد زغلول دعوى “علمنة الإسلام” ووجه النقد اللاذع إلى الكتاب الذي ابتدع هذه البدعة في تاريخ الفكر الإسلامي.