سلط تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية الضوء على الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن المصري بسبب إرتفاع الأسعار، وما ينتج عن ذلك من دعوات للتظاهر في الحادي عشر من نوفمبر.
وقالت الصحيفة إن عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية ساعدت على إشتعال الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، قبل خمس أعوام، والآن الاقتصاد في تدهور مستمر بالتزامن مع تزايد السخط في أكثر الدول العربية سكانًا.
انتشر نقص الغذاء بشكل واسع، والأسعار في إرتفاع، ويعيش مزيد من الناس في فقر، وتبقى معدلات البطالة مرتفعة، خاصةً في أوساط الشباب المحبطين، وهناك أزمة في العملة، وتتضاءل ثقة المستثمرين، بالرغم من حصول مصر على مليارات الدولارات في صورة مساعدات من دول الخليج.
ويقول أحمد سليمان، صانع أحذية ” لا نستطيع أن نجد السكر، والعديد من المواد الغذائية الأخرى” ويضيف “عندما نجد هذه المواد الغذائية، لا نستطيع تحمل تكلفتها، ولذا فإننا لا نشتري بنفس القدر الذي اعتدنا عليه”.
ويستطرد “كلما زادت الضغوط على الناس ،كلما كان الإنفجار أقوى”، وتضيف الصحيفة أنه حتى مع زيادة المشاكل الاقتصادية، فإنه ليس من الواضح إندلاع إنتفاضة جديدة، لكن الواضح هو زيادة الغضب الشعبي الموجه إلى حكومة عبدالفتاح السيسي من كافة أطياف المجتمع.
وأثر الإضطراب الحالي ليس فقط على الفقراء، بل أيضًا على الطبقة الوسطى وإلى حد ما على الأثرياء، وخلال أعوام ما قبل إنتفاضة 2011م، ولدت السياسة الإقتصادية الليبرالية طفرة في في مجال الأعمال التجارية، ووصل معدل النمو الاقتصادي إلى 7%، لكن الفشل في معالجة الفقر واسع النطاق، والفساد الحكومي، ومعدل البطالة المرتفع، ونقص فرص الشباب، وهي الأسباب التي ربما قالها العديد من المشاركين في المظاهرات.
وبعد إنتخاب محمد مرسي الرئيس المنتمي للإسلاميين، وجهت له إنتقادات شديدة لسوء إدارة الإقتصاد وعدم تصحيجح الفوارق الإجتماعية، في حين سعى إلى إحكام سيطرته السياسية، وبمجئ السيسي إلى السلطة بعد الإطاحة بمرسي، تعهد بتغييرات إقتصادية، وتحسين حياة المصريين.
وارتفع معدل التضخم، اليوم الأربعاء، إلى أعلى مستويات له خلال أعوام، وهناك نقص حاد في النقد الأجنبي، الضروري لمزاولة الأعمال التجارية الدولية، ويعيش ما يقرب من ربع السكان البالغ تعدادهم 90 مليون في فقر، ووصل معدل البطالة الرسمي إلى 13%، وثلاث أضعاف هذه الرقم هي نسبة البطالة في صفوف الشباب.
وتشير الصحيفة إلى قرض صندوق النقد الدولي، وما سيتبعه من إجراءات تقشفية، وصفها السيسي لا يمكن التراجع عنها، للخروج من عنق الزجاجة، على حد وصفه.
بالنسبة للمشاكل الإقتصادية، يمكن إلقاء الأئمة على إنهيار السياحة ومخاوف الإرهاب، إذ انخفضت أعداد السائحين منذ ثورات الربيع العربي، إلا أن العدد تدهور بشكل كبير بعد إسقاط الطائرة الروسية، خلال العام الماضي فوق سيناء من قبل تنظيم الدولة، وأيضًا التحطم الغامض للطائرة المصرية فوق البحر المتوسط، وكذلك أيضًا تعذيب وقتل الطالب الإيطالي في القاهرة، أوائل هذا العام ومقتل السياح المكسيكيين عن طريق الخطأ من قبل الجيش المصري في سبتمبر 2015م.
لكن بعض المنتقدين يلومون السيسي على تنفيذ مشاريع ضخمة امتصت مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب والمساعدات، وشملت هذه المشاريع، توسعة قناة السويس، التي فشلت في زيادة الإيرادت، وأيضًا مشروع إنشاء عاصمة جديدة على غرار دبي، كما أنه اقترح إنشاء كوبري يربط بين السعودية ومصر.
وتلفت الصحيفة إلى حالة الغضب الشديدة التي تنتاب المواطنين في حي الجمالية، حيث نشأ السيسي، بسبب الأسعار المرتفعة، وفي السوق المركزي للحي، ويشتكي الأهالي من إرتفاع أسعار الكهرباء وغاز الطهي، في حين بقيت مرتباتهم دون زيادة، وأدى ضعف العملة المحلية إلى إرتفاع أسعار السلع المستوردة، التي تعتمد عليها مصر بشكل كبير، وأغلقت العديد من الأنشطة التجارية والمحلات أبوابها.
ويقول أحمد محمد مالك أسطول سيارات، ” اعتدت ملء أربع سييارات بالبضائع والتوجه إلى المناطق الريفية، والآن أستطيع بالكاد ملء نصف سيارة، ولا يستطيع الناس شراء أي شىء على الإطلاق” .
ويشتكي أحد تجار الذهب الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته خوفًا من اللصوص أو رجال الشرطة الفاسدين من عدم شراء الناس للذهب قائلاً “الآن يشتري الناس الطعام بالكاد”.
في حين ترى إمرأة خمسينية أن ما يعيب السيسي هو الأسعار فقط، وتمتدح إنجازات السيسي والتحسن الذي طرأ على البلاد التي كانت مكسورة إبان حكم الإخوان”.
وتختم الصحيفة بالإشارة إلى الدعوات التي أطلقها بعض النشطاء للإحتجاج بسبب الاقتصاد المتدهور في الحادي عشر من نوفمبر، وخلال مقابلاته، رفض السيسي فرضية قيام ثورة أخرى، لكن سليمان صانع الأحذية، يقول: “من شأن الاحتجاجات أن تعطي الناس الفرصة في التنفيس عن ضغوطهم المفروضة عليهم بقوة، وربما بعض الأمل في المستقبل، وعلى الأقل، فإنهم سيرسلون رسالة للسيسي.