تشهد مصر امتناع الفلاحين عن توريد محاصيلهم الزراعية من الأرز إلى هيئة السلع التموينية “حكومية”، والتي رفعت الأسعار التي حددتها وزارة التموين، بنسبة معينة رفضها المزارعون والتجار، لما تمثله من خسارة كبيرة لهم، لذا لجأ تجار إلى إخفائه وتخزينه، أو ما يُعرف باحتكاره، كي يتمكنوا من بيعه لاحقًا بأسعار أعلى.
ويذكر أن محصول الأرز هو المحصول الوحيد في مصر الذي يحقق الاكتفاء الذاتي، وفائضًا قدره 20%، إذ يقدر خبراء إنتاج مصر منه بنحو أربعة ملايين طن، ما يكفي الاحتياجات المحلية.
أثارت ارتفاع أسعار الأرز في الأسواق المصرية، خلال الأيام القليلة الماضية، إلى ما بين ثلاثة وأربعة جنيهات للكيلو الواحد، ليصل سعر الكيلو منه إلى قرابة العشرة جنيهات، وذلك نتيجة إقبال التجار على تخزينه.
تقليص مساحة الأرز
وقررت وزارة الزراعة تقليص مساحة الأراضي المسموح بزراعتها من محصول الأرز في موسم 2017م بنحو 34.5%، ونص القرار الوزاري الصادر بتاريخ 18 أكتوبر الجاري، ونشر في الجريدة الرسمية، على أنه يرخص بزراعة الأرز في 6 محافظات، بمساحة إجمالية تقدر بنحو 704.537 ألف فدان مقابل نحو 1.076 مليون فدان في موسم 2016م.
القرار الوزاري حصر زراعة الأرز بمحافظات البحيرة وكفر الشيخ والدقهلية ودمياط وبورسعيد والشرقية، وحظر القرار زراعة الأرز في غير المناطق المصرح لها في هذه المحافظات، على أن توقع غرامات على المخالفين، ويبدأ موسم زراعة الأرز مطلع مايو حتى نهاية أغسطس من نفس العام.
وقف التصدير
وفي أغسطس 2016م، قررت الحكومة وقف تصدير الأرز بكافة أنواعه، توفيرًا لاحتياجات السوق المحلية، وبما يسهم في الحفاظ على استقرار الأسعار طول العام، وتحاول وزارة الزراعة منذ عدة سنوات، تقليص مساحة الأراضي المزروعة بالأرز، لاستهلاكه كميات كبيرة من المياه، في ضوء أزمة سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا وتقول الحكومة إنه سيقلل حصتها من مياه نهر النيل.
خسارة ٣٠ مليار جنيه
وكشف متعاملون فى سوق الأرز، من تجار وأصحاب مضارب ومزارعين ومصدرين، عن أن قرار وقف التصدير يهدد استثمارات حقيقية فى القطاع تصل إلى نحو ٣٠ مليار جنيه، وقالوا إن القرار سيؤدى لإغلاق أكثر من ٢٠٠٠ مضرب بالسوق المصرية، فضلًا عن التأثيرات السلبية الضخمة على الزراعة، مؤكدين أن وقف تصدير الأرز المصرى إلى الخارج يسبب خسائر بالجملة لكافة المتعاملين.
وأكدت شعبة اﻷرز باتحاد الصناعات، فى مذكرة رفعتها مؤخرًا للحكومة، أن إغلاق باب التصدير يهدد استثمارات القطاع المقدرة بــ٣٠ مليار جنيه، وتوقف ٢٥٪ من الشركات العاملة بالنشاط، موضحة أن عدد الشركات الرسمية والمقيدة فى الشعبة ٨٥٥ شركة، بينما يبلغ عدد الشركات غير الرسمية نحو ١٣٠٠ شركة أخرى، وكشفت أن الأرز المصرى فى الخارج يجد عزوفا من قبل المواطنين، بسبب ارتفاع أسعاره، مقارنة بغيره من الأنواع التى تقل عنه بنحو ١٥٠ دولارًا.
وأشارت إلى أن الأسعار فى السوق المصرية تتراوح بين ٢٨٠٠ جنيه و٣٠٠٠ جنيه للطن الواحد، وهى أسعار ثابتة منذ أكثر من سنتين، وهو ما يشكل خطرًا على السوق المحلية وعلى الـ٢٠٠٠ شركة بالسوق.
إنقاذ الأسعار
وسادت حالة من الغضب الشديد بين مزارعي وتجار الأرز، بعد قرار وقف تصدير الأرز نهائيًا مع بداية موسم الحصاد، وقال مصطفى النجاري رئيس لجنة الأرز بالمجلس التصديرى للحاصلات الزارعية: “إن قرار وقف التصدير سيؤدى إلى تراجع الأسعار بشكل كبير خلال الفترة المقبلة ليصل مستويات بين ١٧٥٠ و١٦٥٠ جنيهًا للطن مقابل ١٨٥٠ جنيهًا حاليًا”.
وطالب وزير التموين بضرورة تحديد كميات من الأرز وتسويقها من المزراعين لإنقاذ الأسعار من الانهيار، وإنقاذ المزراعين ومضارب الأرز من الخسائر المحدقة بهم جراء تراجع الأسعار، وتوقف العمل، خاصة أن الكميات التى يتم توريدها داخل منظومة التموين الجديدة لا تتجاوز ٢٥ ألف طن.
كما أوضح النجاري أن وجود فائض من محصول الموسم الجارى، وفقًا لبيانات وزارة الزراعة التى توضح تراجع مساحات الأرز خلال الموسم ٧٪ فقط، مقارنة بالموسم الماضى، بجانب فائض من العام الماضى ١.٢ مليون طن، بعد أن كانت اللجنة طالبت بتصدير ٥٠٪ فقط من الفائض، وأضاف النجارى أن اللجنة ستعقد اجتماعًا خلال الفترة المقبلة، مع ممثلى وزارتى الصناعة والتموين، لتوضح أسباب اعتراضها على القرار والمطالبة بإعادة النظر فى قرار وقف التصدير.
تمرد الفلاحين
وحذّر وزير الري محمد عبد العاطي، الفلاحين من مخالفة قرار الحكومة بتحديد المساحة المخصصة لزراعة محصول الأرز لهذا العام، وقال “سنعاقب المخالفين في زراعة الأرز”.
نقيب الفلاحين فريد واصل، رد على وزير الري: “والفلاحين هيخالفوا”، موضحًا أن ارتفاع الأسعار، والحالة الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الفلاح، ستدفعه مرغمًا إلى مخالفة قرار الحكومة، وزراعة مساحات إضافية من الأراضي بالأرز؛ لسد حاجتهم من الغذاء.
وأكد فريد واصل في تصريحات صحفية، أنه يتمنى ألا يزرع الفلاحون الأرز نهائيا، مشددا على أن كيلو الأرز يستهلك 2000 لتر مياه، واصفا ذلك بالشيء الخطير، محذرا من أزمة كبيرة في كمية المياه حال زراعة مساحات كبيرة من محصول الأرز.
وأضاف أن إنتاج مصر من الأرز حوالي 3 ملايين طن سنويا، يستهلك المواطنون حوالي طن واحد فقط، مبينًا أن الكمية الباقية ــ وهي 2طن ــ لا يستفيد منها المواطن ولا الدولة، بل تدخل في جيوب التجار الذين يرفعون الأسعار، دون الشعور بالمواطن البسيط.
إضرار التربة
وكشف خبراء زراعيون، عن أن تلك القرارات لها تداعيات خطرة على التربة ذاتها، تتمثل في تقليل خصوبة الأرض وزيادة نسبة الملوحة بها، مؤكدين أن معظم الأراضي بالوادي الجديد لا تصلح لزراعة أي محصول إلا بعد زراعة محصول الأرز عليها، مشيرين إلى أن تطبيق هذا القرار يعمل على تبوير معظم الأراضي الزراعية.
وقال الدكتور عصام قريش الأستاذ بقسم الأراضي بكلية الزراعة جامعة الإسكندرية، إن الأراضي القديمة نسبة الملوحة بها عالية، مما يستلزم زراعة الأرز فهو بمثابة غسيل سنوي للتربة لا غنى عنه.
وفي تصريح لـ”رصد”، قال قريش: “إن زراعة الصحراء بالذرة أفضل بكثير من الأراضي القديمة التي يرتفع فيها المياه الجوفية لعدم كفاية المصارف الزراعية، وأشار العقاري إلى أن هناك شبكات عنكبوتية مستفيدة من استيراد الذرة الصفراء من الخارج لاستخدامها في الصناعات المختلفة تمنع تشجيع الفلاح على زراعتها لعدم تعهد الحكومة بحديد سعر تشجيعي لتوريد الذرة”.