ترجمة: صفاء مسعود
فى دراسة اجراها مركز الناطور للابحاث ذكر فيها أن انتخاب رئيس جديد في مصر وقيام نظام جديد يعني سياسة خارجية جديدة وعلاقات جديدة مع الدول تقوم على تحقيق المصالح المشتركة، هذا التغيير المؤمل أن ينطلق بعد تولي الرئيس المصري مهامه الدستورية والتنفيذية واستكمال بناء مؤسسات الدولة لا بد أن ينعكس إيجابا على العلاقات المصرية والسودانية، وإلى إعطاء هذه العلاقات حقها في التطور والارتقاء لما يقوم بين البلدين من وشائج وصلات تاريخية وثقافية واقتصادية وسياسية.
العلاقات المصرية السودانية شابها التوتر والأزمات في عهد الرئيس المصري المسجون حسني مبارك، وتعددت مظاهر الأزمة بين البلدين ليس فقط في عهد حكومة الإنقاذ بل أيضا في عهد الصادق المهدي وأهم هذه المظاهر:
أزمة عدم ثقة بين الأنظمة في السودان ومصر التي أبت أن تكون أداة طيعة بيد النظام المصري تضع في مرتبة السودان في الدولة المستقلة ذات السيادة المتحررة من الارتهان والتبعية.
احتضان القاهرة في عهد مبارك لأجندة انفصال الجنوب فكرا وفلسفة وثقافة ثم لآليات العمل لتنفيذ هذه الأجندة أي قيادات الجيش الشعبي بزعامة جون جرانج، لعل أحد البحاثة المتخصصين في هذا الملف الدكتور علاء سالم أجاد توصيف دور نظام مبارك في دعم حركة التمرد في جنوب السودان، هذا عندما أكد أن ما حظي به الجيش الشعبي وقائده جون جرانج من رعاية ودعم من قبل أجهزة نظام مبارك العسكرية والأمنية لهو أهم وأكثر تأثيرا ما مما قدمته إثيوبيا أوغندا أو كينيا.
أكثر من ذلك نظام مبارك هيأ للجيش الشعبي كل أسباب ووسائل الاتصال بإسرائيل انطلاقا من الأراضي المصرية.
اتهام السودان بمحاولة اغتيال جسني مبارك في أديس ابابا في إثيوبيا في تموز 1995 وهو ما عمق من الأزمة بين البلدين حتى وصلت إلى حاقة الصدام.
سيطرة مصر على منطقتين سودانيتين وضمهما إلى الأراضي المصرية شلاتين وحلايب عام 1992.
الاعتراف الاستباقي بدولة الجنوب حتى قبل الاستفتاء على الانفصال في يناير 2011، وزير الخارجية في نظام مبارك أحمد أبو الغيط ذهب إلى جوبا لافتتاح قنصلية مصرية ثم تسيير خط جوي بين القاهرة وجوبا.
كان لكل مظاهر الأزمة هذه وغيرها أسبابها الخاصة في التوتر والتدهور العلاقات بين البلدين وبالتالي تداعياتها سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي للعلاقات الثنائية.
هل يصلح مرسى ما أفسده عهد مبارك؟
في ظل مظاهر الأزمة التي شهدتها العلاقات السودانية المصرية والتي ظلت تعاني من المد والجزر وجدت الأجندات الإقليمية التربة الخصبة لتحقيق أهداف لا تقتصر آثارها السلبية على السودان بل تطال أيضا مصر أيضا.
الهدف الأول: إنجاز مشروع الانفصال في جنوب السودان في استفتاء عام 2011 والذي قاد بالتالي إلى ولادة دولة الجنوب، هذا الانفصال لم يضع حدا لشهوة العدوان والتوسع لدى قيادة دولة الجنوب التي تحولت ليس فقط إلى مصدر تهديد للسودان بل لتصدير التهديد إليه أبضا.
ما زاد الأمر سوءا أن جنوب السودان في فترة التمرد بقيادة الجبهة الشعبية كان تشن حربا ميليشيات ضد السلطة المركزية في الخرطوم، أما في عهد الدولة دولة جنوب السودان فإن السلطة فيها تشن حربا نظامية مستمرة ومتصاعدة لاستقطاع المزيد من أراضي السودان ومن ثروته النفطية والمائية.
نظام مبارك لم يأبه أو يكترث بتداعيات هذه التطورات في السودان رغم إدراكه لحقيقة أن مصر لن تكون بنجوة منها لأنها من نوع التحديات العابرة للحدود.
ببساطة نظام مبارك الذي دعم فعلا أجندة الانفصال للحركة الشعبية لم يكن غافلا عن حقيقة أنه يؤسس أيضا لمشاريع وأجندات إقليمية ودولية لتفتيت الدول العربية الرئيسية بعد أن نفذت هذه الأجندة في العراق وجنوب السودان
بداهة فإن التداخل المصري السوداني هو من نوع التداخل الشامل في أبعاده ومجالاته.
بداية السيطرة والتحكم في منابع نهر النيل
في ظل تأزم العلاقات المصرية السودانية وغياب أي تنسيق حيال السياسة المائية والتعاطي مع تحديات مصيرية تتعلق من منطقة البحيرات العظمى وأعالي حوض النيل استفحل تهديد الأمن المائي في مصر بالدرجة الأولى وفي السودان.
هذا التحدي استفحل على ضوء حدوث مستجدات محورية.
الأول: قيام دولة الجنوب التي تسيطر على قطاع من منابع المياه في جنوب السودان فاقم من حدة الصراع على المياه بين دول المنبع والمصب.
المسؤولون في دولة الجنوب لوحوا بورقة المياه ليس في وجه السودان بل في وجه مصر لأن مصر هي المستهدف الأكبر، هذا على خلفية حصتها البالغة 65% من إجمالي مياه النيل.
الثاني: إقدام إثيوبيا على إنجاز مشروع السدود الكبرى لتخزين المياه المتدفقة من منطقة البحيرات أي من منابع النيل.
وقد يكون من المفيد التذكير بما أقدمت عليه إثيوبيا ومعها بعض دول المنبع من تعديل اتفاقيات سابقة لتوزيع حصص المياه الأولى يعود إلى عام 1929 والأخرى تعود إلى عام 1956.
في النتيجة هذه التداعيات هي من نوع التحديات التي ستشهد مزيدا من الحدة والتصعيد في المستقبل عندما تبدأ تداعياتها الواقعية والملموسة تظهر وتمثل للعيان.
على خلفية هذه التحديات أصبح واضحا انعكاس تفاعلات أزمة العلاقات بين البلدين على تهديد الأمن القومي للبلدين، نظام مبارك لم يتعاط مع هذه التهديدات والتحديات من منظور أمني وسياسي واقتصادي شامل لأنه كان منهمكا ومنشغلا في ملفات أخرى الشراكة الإستراتيجية مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، واعتبار كل من السودان وإيران وسوريا وقطاع غزة مصدر تهديد للأمن القومي المصري.
مثل هذه الترهات رددها كل من اللواء عمرو سليمان مدير المخابرات السابق وأحمد أبو الغيط وزير الخارجية السابق.
والسؤال المثار والمطروح بقوة الآن على الساحة هو: هل بمقدور النظام الجديد الذي يقف على رأسه الرئيس المنتخب محمد مرسي أن يحتوي الآثار والتداعيات السلبية لسياسة مبارك حيال السودان ويعيد فتح ملف هذه العلاقات من أجل معالجة أوجه الخلل والقصور وتصويب هذه السياسة؟
نحو بناء علاقات مصرية سودانية جديدة متحررة من الرواسب
الهدف الذي ينبغي أن يركز عليه النظام الجديد في مصر عند اكتمال بناء المؤسسات التنفيذية والتشريعية يتمثل في ضرورة تبني سياسة التكافل بين البلدين على كافة الأصعدة.
* الصعيد السياسي والدبلوماسي.
* الصعيد الأمني والعسكري والإستراتيجي.
* الصعيد الاقتصادي ومن ضمنه مشكلة المياه في البلدين وتبني موقف موحد ومنسق للتعاطي مع هذا التهديد بكل الوسائل.
إذا اتفقنا على وجود مشتركات بين مصر والسودان وبعد الإطاحة بنظام مبارك إضافة إلى تناغم غير مسبوق سياسي وفكري وأمني فإن إمكانية إحداث اختراق في العلاقات بين البلدين في ظل الوضع الجديد في مصر هي إمكانية متاحة وأهمها:
استعدادات لدى الجانبين لطي صفحات الماضي والانطلاق من بدايات ومدخلات جديدة تقود إلى توطيد وترسيخ وتطوير هذه العلاقات على مختلف المستويات.
في كلمة ألقاها الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي في ميدان التحرير يوم الجمعة 29 حزيران شدد على أهمية العلاقة بين مصر وإفريقيا وعلى تبني سياسة خارجية بعيدا عن التبعية والارتهان.
من الحقائق المعروفة أن تبعية وارتهان مصر للخارج في عهد مبارك كانا من بين أهم الأسباب في تخليق الأزمة بين مصر والسودان.
بناء العلاقات بين البلدين أو إعادة بنائها على مفاهيم وأسس ومبادئ جديدة على ضوء استيعاب التحديات يحتاج إضافة إلى الاستعداد والإرادة التطبيق على ما يتم التوصل إليه من اتفاقيات ومعاهدات أي ترجمة على أرض الواقع لا أن تبقى حبرا على وفق على غرار ما يتم توقيعه بين الدول العربية في كثير من الأحيان.
-على المستوى الإقليمي وتحديدا الدول الواقعة في منطقة النيل هناك جهود كبيرة تبذل وراء الكواليس وفي العلن لإقامة تكتل بعمق ونسق إسرائيلي يضم كلا من إثيوبيا وكينيا وأوغندا إضافة إلى دولة جنوب السودان، هذا التكتل تجاوز مرحلة الصياغة والتي أفرزتها زيارات لإسرائيل لكل من الرئيس الأوغندي يووري موسوفيني ورئيس الوزراء الكيني رايلا أودينجا خلال شهر نوفمبر 2011 ثم لرئيس دولة الجنوب سلفاكير بعد ذلك بشهر.
ومن واقع ما جرى من محادثات ومتابعة عن كثب لما طرح خلالها من تفاصيل حول إقامة هذا التكتل يمكننا أن نصف ما جرى بأنه تأسيس لهذا الحلف والذي سيشكل اصطفافا عسكريا وإستراتيجيا وأمنيا وسياسيا واقتصاديا بل ودينيا في مواجهة كل من السودان ومصر وكذلك الصومال عندما يتحرر من عملية الاستيلاء والمصادرة من قبل القوات الإثيوبية والكينية والأوغندية.
هذه الدول الأربع تبذل كب ما في وسعها من أجل توظيف الدين لتخليق هذا الاصطفاف انطلاقا من صناعة العدو والعدو هو السودان ومصر والصومال لكونها دول إسلامية.
الخلاصة:
في المجمل هناك أكثر من قاسم مشترك يجمع كل من مصر والسودان لا بد وأن يكون دافعا نحو التقاء البلدين نحو صياغة أجندة تعاون بل وتكامل شامل يوفر لها كل الإمكانيات وأسباب النجاح في التطبيق.