يطلق على فن الجداريات “فن الجمهور” الذي يعبر عنهم والموجه لهم، وليس ذلك الفن الذي يُغلق عليه الأبواب في معارض يتزاورها الفنانون والمثقفون.
ولطالما كانت تلك النقوش على الجدران، سواء من فنان أو من هاوٍ، أحد أبرز وسائل التعبير عن الرأي، والوقوف في وجه الظلم، كما أنها تسطر تاريخ الشعوب، كما يراه ابناءه، وليس كما يسجلها حكامه.
فن قديم
عرف ذلك الفن منذ قديم الأزل، فالمتابع لمثل هذا النوع من الفنون، يعلم أن حوائط وجدران المعابد القديمة مليئة بالرسوم، والجداريات التي حكت تاريخ طويل من الحضارات القديمة، وقد سجل المصري القديم على جدرانه كافة تفاصيل حياته وطقوسه، وأبرز لوحات الجدارية لوحة المجاعة التي تتحدث عن سبع سنوات من الجفاف في عهد الملك زوسر.
وفي العصور القبطية والإسلامية، ترى ذلك الرسوم التي اخذت الطابع الزمني التي رسمت فيه، مثل جدارية مايكل أنجلو علي سقف كنيسة( سيستين بروما).
ولم تتوقف رسوم الحوائط أو الجداريات، عن التعبير عن الدين وطقوس الحياة في الحضارات المختلفة، بل أخذ الطابع الثوري في كثير من الأحيان لتعبير عن قضايا الوطن، ويرسل رسائل داخلية وخارجية، عن نضال شعوب وأهدافها، يقاوم الفاشيين ويشجب الظلم. ويبث الوعي.
جداريات القضية الفلسطينية
حظت القضية الفلسطينية، باهتمام بالغ من شعوب العالم، وفي مقدمتهم مجموعة من الفنانيين عبروا عن معتقداتهم وأفكارهم، من خلال جداريات أخدت شهرة واسعة، تناولوا فيها صمود شعوبهم، وألقوا الضوء على قضيتهم.
جدارية “جناح الذاكرة”
وهي جدارية تحكي القضية الفلسطينية منذ عام 1917م، وضمت الجدارية أسماء (418) قرية فلسطينية تم تدميرها وتهجير أهلها عام 1948م، وأسماء المخيمات الفلسطينية، يتوسطها مجسم لطائر العنقاء تعبيرًا على خلود الشعب الفلسطيني في أرض كنعان، وحتمية العودة.
جدارية “السلام” في فرنسا
تعد أول جدارية فلسطينية على أرض فرنسية، وضمت الجدارية ثلاث شخصيات “الطالب، والمعلم، والجندي”، وبتصافح عَلميّ دولتيّ فرنسا وفلسطين، حيث قال الرسام سامي الديك، أنه أراد من خلال الرسم إيصال رسالة فحواها: “نحن لسنا إرهابيين، نحن شعب نكره الموت ونحب الحياة والحرية والسلام”.
جدارية الانطلاقة الـ28
افتتحت حركة “حماس”، في العام الماضي، جدارية ضمن حفل إنطلاق الحركة الـ 28، تحمل عنوان “القدس على مرمى حجر”، وقالت قيادات الحركة إن الجدارية تلخص مسيرة 28عامًا من المقاومة والبناء وستعرض أبرز محطات الحركة في مسيرتها المستمرة نحو التحرير ، وجسدت المقاومة والثوابت الفلسطينية كالقدس وحق العودة والانتفاضة.
القضية السورية
احتلت الأزمة السورية الصدارة، وسبقت فلسطين في محنتها، بعد الثورة السورية في 2011، وحملت الجداريات رسائل وأزمات ومواقف منها داخلها، وفوق انقاضها، أو خارجها وفي أرقى بلدان العالم.
جرافيتي فوق الأنقاض
انتشرت جداريات للفنان أبو مالك الشامي، على الجدران في جميع أنحاء مدينة داريا، منذ صيف 2014م، وحتى صيف 2016م، وأول جدارية له كانت على أنقاض جدار منزل كبير، لفتاة تشير إلى قلب على السبورة، وتعطي الجندي درسًا في الحب قبل أن يخرج إلى القتال.
يجوب الشامي شوارع داريا، فيرسم على حوائطها وأنقاضها، رسومًا تحمل بين طياتها آلام السوريين، وأملهم العودة إلى الوطن.
جدارية أمل سوريا في باريس
نفذها المصور الفرنسي فلوريان سيريكس في شارع “سان سباستيان” شرق العاصمة الفرنسية باريس بطول سبعة أمتار، وتحمل صورًا بالأسود والأبيض لأطفال من مخيمي الزعتري مع عبارة “أمل سوريا”، حيث كتبت بثلاث لغات: العربية والإنجليزية والفرنسية.
“أوروبا ماتت – الموت والمال”
جدارية تخلد ذكرى إيلان الكردي في مدينة فرانكفورت، حيث رسمها الثنائي يوستوس بيكر، وأغوز زين، رسامي الجرافيتي الألمانيان، وتبلغ حجمها 120 مترًا مربعًا للطفل السوري ذي الثلاثة أعوام والذي غرق في سبتمبر الماضي مع أمه وأخوه لدى محاولتهم الوصول إلى أوروبا.
وقال الفنانان، إن صورة الطفل أثرت فيهما بشكل كبير، ورأوا ان من واجبهم نشر قضيته، خاصة أن الأوروبيين لا يهتمون بالقضايا إلا إذا كانت قريبة منهم، ولذا جسدا صورة الطفل على جدار في الناحية المقابلة من النهر للبنك المركزي الأوروبي.
لوحات الثورة والحرب في ليبيا
منذ أن بدأت الشرارة الأولى للثورة الليبية ضد نظام القذافي، أخذ الفنانون والهواة على عاتقهم، نشر ثورتهم على حيطان المدن الليبية، لتعبر عن الثورة والحرب التي خاضها الليبيون ضد نظام القذافي، ولتوثيق مراحلها وصمود شعبها.
مصر تعبر بلغة الرسم على الجدران
منذ خروج الشعب في ثورة يناير للإطاحة بنظام مبارك وأعوانه، شكلت الحوائط في جميع المدن المصرية، المنبر الذي يعبر من خلاله الشباب عن أفكارهم واحلامهم، وأرائهم.
كما تضمنت الجداريات العديد من شعارات الثورة المصرية، ورموزها وأبطالها، وتعد جداريات محمد محمود، أشهر ما عرفتها الثورة المصرية، نتيجة اندلاع الكثير من الاشتباكات والأحداث في تلك المنطقة.