يحتاج العالم قسطا من الزمن كي يستوعب حقيقة فوز شخص اسمه دونالد ترامب برئاسة أميركا، وعلى أوروبا تحديدا أن تتعايش مع الصدمة والدهشة والزلزال، وفق التعبيرات التي انطلقت في عواصمها بعد ظهور نتائج الثلاثاء الكبير.
الجبهات المفتوحة
عبر خطاباته الانتخابية وتصريحاته المتشنجة، افتعل دونالد ترامب حزمة مشكلات لنفسه حتى قبل أن يبدأ عهده. مذهل هو عدد الجبهات التي فتحها سيد البيت الأبيض القادم في الداخل والجوار والعالم، فأشعل المخاوف من صعوده وبرز بوجه بغيض في بعض الإعلام العالمي، وهو ما فرض عليه إرسال تطمينات واضحة في خطاب النصر بعد إعلان فوزه.
صعود في زمن التحولات
مفارقات المشهد
من مفارقات المشهد الانتخابي الأميركي أن هيلاري كلينتون التي راهنت في خطابها على الفئات العمالية والفقيرة والأقليات، بدت عمليا ملتصقة بالنخبة التقليدية الحاكمة وتحظى بعوائد الثراء المليونية، بينما كسب ترامب شرائح مستاءة من المستوى السياسي وقلقة على مستقبلها، علاوة على الفئات المتوسطة، وهذا رغم ثرائه الفاحش، وعليه الآن أن يعمل من داخل طبقة سياسية وإدارية في واشنطن العاصمة كان قد نعتها بالفساد.
مع غروب شمس الثلاثاء الكبير؛ انتهت حملة علاقات عامة كبرى استغرقت ثمانية أعوام، طمس خلالها المتحدث البارع باراك أوباما أثر جورج بوش الابن في العالم. ويأتي دونالد ترامب الآن دون أن يجرؤ أحد على منحه جائزة نوبل للسلام كالتي حظي به سلفه مع مطلع ولايته الأولى.
ومن ارتدادات ما جرى بعد فرز الأصوات الأميركية أنّ صعود ترامب على رأس كبرى دول العالم يأتي منسجما مع إزاحات شعبوية ويمينية متطرفة على المستوى الأوروبي، في مستوى الخطاب الانتخابي على الأقل. وقد يحصد مرشحو أقصى اليمين الأوروبي مكاسب ملموسة في الجولات الانتخابية المقبلة بمن فيهم مارين لوبن التي تنافس على رئاسة فرنسا السنة المقبلة.
ثمة تأثير لا يمكن إغفاله، ويتمثل بأن يُطلب من المتشدد أو “الشرير” عند دخول الرواق السياسي الرسمي أن يبعث برسائل الطمأنة وأن يتلطّف بالأمر إن أمسك بالزمام. على أنّ المعضلة الجوهرية ليست في فوز ترامب بل في مجرد صعوده إلى المنافسة الرئاسية ابتداء، وبدعم من الحزب الجمهوري، ثم حصده عشرات الملايين من الأصوات. وقد يرى بعضهم في ذلك مؤشرا على فرص الحُمق السياسي والتشنّج في الإمساك بزمام الديمقراطيات الغربية، كما تجلّى قبل شهور في قرار خروج بريطانيا من أوروبا الموحدة أيضا بعد استفتاء شعبي.