يبحث عاطلون عن العمل في منتصف ميدان التحرير وسط العاصمة المصرية القاهرة، عن مصدر رزق يجنبهم وعائلاتهم وضعهم البائس الذي يعيشون فيه منذ سنوات مضت، بينما تجهد حكومة بلادهم في تنفيذ إصلاحات اقتصادية.
هؤلاء العاطلون، سمعوا عبر وسائل الإعلام خلال الأيام الماضية، عن الإصلاحات الاقتصاية في البلاد وكان آخرها تعويم الجنيه المصري، ورفع أسعار الوقود، نظراً لارتفاع الدولار في السوق الرسمية.
وتقول مصر إنها تهدف من وراء الإصلاحات التي شملت أيضاً، تطبيق قانون القيمة المضافة، ورفع أسعار الكهرباء، إلى تقليل العجز في الموازنة العامة للدولة، وخفض نسبة الدين العام الذي بلغ نحو 100% من الناتج المحلي الإجمالي ووضع الاقتصاد على مسار النمو والتعافي.
وأصبح تاريخ الثالث من نوفمبر 2016، من الأيام التي سيتذكرها المصريون، لأنه شهد تعويم الجنيه وتصبح بلادهم أحدث دولة نامية تتخذ القرار بعد روسيا وكازاخستان وأذربيجان ونيجيريا والأرجنتين.
وأعلنت مصر الخميس الماضي، عن تحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، بناء على العرض والطلب كما رفعت سعري فائدة الإيداع والإقراض لليلة واحدة 300 نقطة أساس، إلى 14.75% و15.75% على الترتيب.
ونتيجة للتعويم، رفعت الحكومة أسعار الوقود بنسب تراوحت بين الـ 7.1% و 87.5%، بحكم أن واردات الوقود تتم بعملة الدولار وتباع الجنيه.
تأتي قرارات مصر الأخيرة، تلبية لدعوة كريستين لاغارد، مدير صندوق النقد الدولي، في إطار مساعي القاهرة للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار.
وتدافع الحكومة المصرية بقوة من جانبها، عن القرارات واعتبرتها ضرورية ولا يمكن تأجيلها، مع ارتفاع الدين العام وتباطؤ نمو الاقتصاد والاحتياطي الأجنبي للدولة.
ولا يرى “محمود الخفيف” الخبير الاقتصادي في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “الأونكتاد”، مفراً من عدم تطبيق الإصلاحات، “بسبب السياسات التي اتبعت في البلاد خلال السنوات الماضية، ودفعت لتفاقم الوضع الاقتصادي بشدة”.
لكن “الخفيف”، يشدد على ضرورة أن تكون التدابير الموضوعة “مبنية على رؤية تنموية شاملة، وليست حلولاً مؤقتة لمشاكل مزمنة”.
وتتضمن الرؤية التنموية وفق “الخفيف”، رفع كفاءة قطاعات الصناعات والزراعة بهدف القضاء على مشكلة العجز بالميزان التجاري، وزيادة الصادرات وتقليل الواردات لتخفيف حدة الطلب على الدولار والضغوط على الجنيه المصري.
وتعاني مصر من مشاكل بنيوية في اقتصادها تتمثل بارتفاع نسب التضخم فوق حاجز 16% على أساس سنوي، وتباطؤ النمو الاقتصادي، وارتفاع قيمة عجز الميزان التجاري رغم تراجعه في السنة المالية الماضية، وارتفاع نسب التضخم (12%) والفقر (28%).
وأكدت الحكومة أن قرارات تحرير الجنيه والقرارات الأخرى التي اتخذتها، هدفها وضع الاقتصاد المصري على الطريق الصحيح، وعدم الانتظار تجنباً لتفاقم الوضع وخروجه عن السيطرة.
وحظيت قرارات الحكومة المصرية الأخيرة، بترحيب واسع النطاق من جانب المؤسسات المالية العالمية وفي مقدمتها صندوق النقد والبنك الدولي، والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، ووكالة موديز للتصنيف الائتماني.
وللتخفيف من حدة آثار القرارات، سارعت الحكومة المصرية الجمعة الماضية، إلى اتخاذ عدة قرارات شملت إلغاء الرسوم الجمركية المفروضة على السكر، وزيادة دعم البطاقات التموينية للفرد من 18 جنيها (نحو دولار) إلى 21 جنيها (1.2 دولار).
ورفعت الحكومة سعر شراء القمح من الفلاحين من 420 جنيها (24.7 دولار) للأردب إلى 450 جنيها (26.4 دولار) خلال الموسم المقبل، ورفعت سعر شراء طن قصب السكر من الفلاحين من 400 جنيه (23.5 دولار) إلى 500 جنيه (29.4 دولار)، ورفعت سعر توريد طن الذرة من 2100 جنيه (123.5دولار) إلى 2500 جنيه (147 دولار).
ومن القرارات الأخرى، تخفيض سن المستفيدين من معاش “كرامة” إلى 60 عاماً بدلا من 65.
ومعاش كرامة هو برنامج يوفر دعماً غير مشروط لفئتين من المواطنين، وهما كبار السن والمعاقين، ممن ليس لديهم معاش تأميني أو لديهم معاش أقل من المعاش الاجتماعي (معاش الضمان).
واستبعد استاذ الاقتصاد المصري كمال الوصال أن يشهد الوضع الاقتصادي في مصر أي تحسن، “لأن هذه الإجراءات لا تستهدف المشاكل الحقيقية للاقتصاد المحلي”.
وأضاف الوصال، الاستاذ بجامعة الاسكندرية (شمال) للأناضول، أن ما قامت به الحكومة المصرية مؤخراً، بمثابة “إصلاحات نقدية مالية وليست إصلاحات اقتصادية تمس هيكل الاقتصاد”.
وزاد: “لم تواجه قضية ضعف القدرات التصديرية للاقتصاد المصري، ولا توجد رؤية أو خطة لزيادة وتنويع الصادرات والانعتاق من أسر مصادر النقد الأجنبي، التي لا سيطرة لنا عليها مثل قناة السويس والسياحة وتحويلات المصريين في الخارج”.
وتراجعت تحويلات المصريين العاملين في الخارج والإيرادات السياحية وقناة السويس في العام المالي 2015/2016، مقارنة بالعام السابق عليه، وفق البنك المركزي المصري.
وبلغ صافي التحويلات الخاصة 16.8 مليار دولار في العام المالي 2015/2016، مقابل نحو 19.2 مليار دولار 2014/2015، بسبب تراجع تحويلات المصريين من الخارج.
وهبطت الإيرادات السياحية بمعدل 48.9% إلى 3.8 مليار دولار في العام المالي 2015/2016، مقابل نحو 7.4 مليار دولار في العام المالي 2014/2015.
وتراجعت إيرادات المرور بقناة السويس المصرية بنسبة 4.5% خلال العام المالي 2015/ 2016 إلى 5.1 مليار دولار، مقابل نحو 5.4 مليار دولار في العام المالي السابق عليه.
“لا أتوقع تحسناً في المؤشرات المالية والنقدية نتيجة ضخامة عبء الديون، ناهيك عن الآثار الانكماشية لوصفة الصندوق، فضلاً عن الآثار الاجتماعية الكارثية، نتيجة الرفع العشوائي للدعم دون تفرقة بين غني وفقير”.
وما بين الوعود الحكومية وانتقادات المعارضين، يظل المواطن المصري أسير موجة تضخم سجلت مستويات قياسية خلال الأشهر الماضية، وتوقعات بارتفاع وتيرتها خلال الفترة المقبلة.
(الدولار = 17 جنيه مصري في المتوسط)