قبل حلول مساء الجمعة، جلس أحد مجندي الأمن المصري، بمقهى وسط العاصمة القاهرة، يتناول وجبة بسيطة يرافقها كوب من الشاي، خلال يوم عمل شاق وطويل وحالة تأهب أمني مكثفة.
أجرى المجند “الغلبان” – كما يوصف بمصر – مكالمة هاتفية مع زميل في الخدمة، بدا منها أنهما كانا في انتظار حار لنهاية اليوم الطويل وحالة التأهب الأمني، التي سخر بعض الناشطين منها رغم ضآلة المظاهرات بقولهم إن “ثورة الغلابة لم ينزل فيها إلا الشرطة”.
هكذا كان حال العاصمة المصرية التي شهدت تشديدا أمنيا كبيرا، وانتشارا واسعا لمركبات الشرطة وعناصرها بالزي المدني والرسمي، بلا تظاهرات تقريبا.
كان الحال مغايرا في 10 محافظات أخرى من بين المحافظات المصرية السبعة وعشرين.
فعاليات معارضة محدودة نسبيا خرجت ترفض الغلاء وتطالب برحيل النظام في مدن وأحياء وقرى في محافظات الجيزة (غربي القاهرة)، والإسكندرية (شمالا)، والبحيرة، والشرقية والدقهلية، والمنوفية (دلتا النيل/شمال)، والفيوم والمنيا وبني سويف (وسط)، والسويس (شمال شرق)، وفق مراسلي الأناضول، وشهود عيان.
لم تصمد المظاهرات كثيرا أمام إجراءات الفض الأمني للمحتجين المخالفين لقانون التظاهر، الذي يحظى بانتقاد واسع، والذي يشترط الحصول على تصريح مسبق.
وانتهى اليوم بالقبض على نحو 300 شخص في تلك المحافظات، وفق بيان حقوقي وتصريحات صحفية لمصادر أمنية، فيما لم يشهد وقوع حالات وفاة.
حتى الساعة 21:00 ت.غ. لم يصدر بيان عن وزارة الداخلية المصرية بشأن الاعتقالات، فيما قال مصدر أمني مسؤول في تصريحات صحفية، إنه تم توقيف 300 شخص بالبلاد اليوم (الجمعة) منهم 50 بالقاهرة، و40 في الجيزة، دون مزيد من التفاصيل.
أما التنسيقية المصرية للحقوق والحريات (غير حكومية مقرها القاهرة)، فقالت في بيان حصلت الأناضول على نسخة منه، إن هناك “144 واقعة اعتقال لأشخاص، بينهم 27 سيدة وفتاة، و3 صحفيين”.
التنسيقية أشارت إلى “أعداد غير معلومة إلى الآن من حالات الاعتقال بمحافظة السويس وجارٍ متابعتها”.
كان هناك 3 تجمعات لعشرات رفعوا لافتات تؤيد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي- حسب وصف الوكالة- ، في ميادين “القائد إبراهيم بالإسكندرية (شمال)، والسيد البدوي بالغربية (دلتا النيل / شمال)، والتحرير وسط العاصمة، دون أي احتكاك من جانب الأمن مع هذه التظاهرات غير المرخصة.
وفي التحرير أيضا، مر مرورا عابرا بسيارته الخاصة، وزير الدفاع الأسبق المشير محمد حسين طنطاوي، المقرب من السيسي، خلال وجود بعض الأشخاص الذين استوقفوه، مرددين هتافات مؤيدة للجيش والنظام.
مشهد الشارع المصري، انعكس في وسائل الإعلام بين التهوين والتهويل، حسب توجه المحطات الفضائية.
الإعلام المؤيد للنظام المصري أكد خلو البلاد من المظاهرات في مظهر اعتبره يؤكد “التأييد الشعبي” للرئيس، ونقل التليفزيون المصري الحكومي، عن رئيس الوزراء، شريف إسماعيل، قوله تعليقا على دعوات التظاهر اليوم إن “الشعب المصري اختار الاستقرار والتنمية ورفض أي دعوات تخالف ذلك”.
الاتجاه المعاكس ظهر في فضائيات معارضة حرصت على نقل صور ما اعتبرتها مظاهرات “ثورية ونوعية وجديدة “ضد النظام، والتأكيد على مشاركة “حشود كبيرة” في مواجهة “القمع الأمني”.
ولم يتخلف العالم الموازي عن الركب، بطرافة معتادة، عبر موقعي التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر.
وظهرت 3 هاشتاجات (وسوم) بارزة هي :#محدش_نزل (لم يشارك أحد)، و#افتحوا_الميادين (ردا على غلقها بالمتاريس الأمنية)، و#دريم_بارك (أشهر منتزه للترفيه غربي العاصمة).
ووفق ما اطلع عليه مراسل الأناضول، سجّل مغردون ونشطاء تغريدات وتدوينات، يتطرق بعضها بطريقة ساخرة لتواجد أفراد الشرطة فقط في المظاهرات دون متظاهرين، وبين رافض للغلق الأمني للميادين خشية التظاهرات، وبين من ينقل صورا تظهر تجمعات بالمئات ليست موجودة في شوارع مصر، وإنما تستعد لدخول متنزه الترفيه والألعاب البارز غربي القاهرة “دريم بارك”.
بينما قال المتحدث الإعلامي باسم جماعة الإخوان المسلمين حسن صالح، عبر حسابه بـ”توتير”، مشيدا بتظاهرات اليوم بقوله :”اليوم بداية متميزة ليوم ثوري جديد يثبت فيه الشعب المصري أنه لن يموت ولن تموت ثورته”، مدشنا هاشتاج# الحق_راجع، دون تفاصيل عن مستقبل التظاهرات وقبل ختام اليوم الذي طال الجدل بشأنه حصلت مصر على مطلب مطارد منذ وقت غير قصير، عبر موافقة صندوق النقد الدولي الذي اجتمع مساء امس، على منح القاهرة قرضا بقيمة 12 مليار دولار أمريكي على 3 سنوات.
تشهد مصر أزمة اقتصادية، ونقصا حادًا في سلع أساسية مثل السكر والأرز، بجانب ملامسة سعر الدولار الأمريكي اليوم 17 جنيهاً في السوق الرسمي بعد قرار تحرير سعر صرف الجنيه في 3 نوفمبر/تشرين ثان، وسط ارتفاع في أسعار السلع خاصة بعد رفع أسعار الوقود في اليوم ذاته.
ودفعت الأزمة لاتفاق مبدئي في أغسطس، بين صندوق النقد الدولي والقاهرة للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار، وهو ما أقره الصندوق الدولي مساء امس الجمعة، على مدار ثلاث سنوات.