على مدار تاريخ الأناضول، تستحوذ السُبحات وجدان كثير من الأتراك، ولم يقتصر استخدامها يومًا ما على معتنقي دين معين أو أفراد جماعة معينة، بل كانت دائمًا إرثًا مشتركًا في الحياة التركية.
لذا، كان من الطبيعي جدًا أن ترى السُبحات في شوارع هذا البلد داخل أيدي الذاهب والآتي، مسلمين ومسيحين ويهود، نساءً ورجالاً، وأطفالاً وشيوخاً.
وتتعدد أسباب ولع الأتراك بالسُبحات، منها ما هو ديني، وتراثي، أو صحي، ما أدى إلى تنوع أشكال وأحجام وألوان السبحات، وحتى المواد المستخدمة في صناعتها.
وفي يوم ما جاء صديق لصانع السبحات التركي تورغاي شنر، في مدينة ألازيغ وسط الأناضول، واقترح عليه أن يفعل شيئاً جديدًا.
أراد منه أن يصنع سُبحة من بقايا زجاج الطائرات المبعثر في ورش إصلاح وصيانة الطائرات.
يقول شنر البالغ من العمر 45 عاما لمراسل “الأناضول”: “دون تفكير نالت الفكرة إعجابي، وعلى الفور اهتممت بالأمر”.
ويضيف: “أحضر لي صديقي كمية محدودة من الزجاج، وشرعت في العمل”، وأردف: “صقل زجاج الطائرات أمر صعب جدا، أرهقني جدا، كونه مادة مكثفة الضغط، ولا تشبه بقية المواد المستخدمة في صناعة السبحات”.
“اهتممت أكثر بالأمر، وضاعفت جهودي، فاستخدمت المنشار في تقطيع الزجاج، وبعد إتمام عملية صقلها، وتشكيلها، ثقبتها بالمثقاب، ووضعت اللمسات النهائية عليها”، وفق شنر.
ويوضح أنه رغم خبرته الطويلة في مجال صناعة السبحات، إلا أنه اُدهش بصورة السبحة النهائية، “وهي تتلالأ في عيون الأصدقاء”.
ويختلف سعر السُبحة، وفق شنر، “بحسب جودتها وحرفية صانعها، وتوجد منتجات تبدأ أسعارها من 5 ليرات تركية (قرابة 1.5 دولار أمريكي)، وهناك أخريات يصل سعرهن 50 ليرة (15.5 دولار).
أما سعر السبحة المصنوعة من زجاج الطائرات، فيتراوح وفق المتحدث ذاته، “من 105 ليرات (31 دولارا)، إلى 300 ليرة (92 دولارا) حسب الطول والشكل المطلوب”.
وعن حبه لمهنته، يقول شنر، إنه منذ بزوغ شغفه بالسُبحات قبل 13 عاما، وهو على وعي أنه لا يوجد أسهل من التسبيح لكن صناعة السُبحة نفسها يتطلب كثيرا من العناء.
ويتابع: “آمل خلال بقية حياتي أن أصنع منتجات جديدة تتميز بالابداع”.
والسُبحة هي مجموعة من قطع ذات شكل خرزي تتكون من عدد معين من حبات منظومة ومنتظمة في خيط، وقد تختلف حباتها بحسب المجتمع أو رغبة الصانعين.
وتعرفها معاجم اللغة بأنها جمع سُبُحات وسُبْحات وسُبَح: ويقصد بها الخرزات المنظومة في خيط يعدّ بها المُسبِّح مرّات التسبيح.
ويرى بعض الأتراك أن السبحات تجلب الحظ، وهناك من يراها تخفف التوتر والضغط، وآخرين يعتبرونها حبات دعاء يستخدمونها في ذكر الله والتواصل معه.
وتتنوع السبحات حسب الكم وفقاً لعدد حباتها، وحسب الكيف وفقاً لنوع المادة المستخدمة في صناعتها.
فتوجد السبحة ذات الـ33 حبة، وأخرى بـ99 حبة، في حين يستخدم الدراويش (الصوفية) مسابح خاصة تبلغ عدد حباتها 500 وأحياناً ألفًا.
ومن حيث الكيف، توجد السبحات المصنوعة من خشب “الأبنوس” حيث يفضلها من يعانون من التوتر وارتفاع الضغط العصبي، في حين توجد أنواع أخرى لإزالة الميكروبات والجراثيم، وتعطير رائحة اليد في نفس الوقت.