ارتفعت نبرة المصلين في أحد مساجد العاصمة المصرية القاهرة، الجمعة الماضية، مع دعوة الخطيب، “اللهم ارفع الغلاء عن مصر”، في إشارة إلى تأثرهم بموجة الغلاء السابقة والمرتقبة في إطار الحصول على قرض صندوق النقد الدولي.
وبعد ثلاثة شهور من الإعلان عن التوصل لاتفاق مبدئي، وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي مساء الجمعة الماضي، على منح مصر القرض بقيمة 12 مليار دولار، لدعم البرنامج الوطني الذي وضعته السلطات المصرية لإصلاح الاقتصاد.
ووافق الصندوق على صرف الشريحة الأولى بقيمة 2.75 مليار دولار مع صَرف بقية المبلغ على مراحل خلال مدة البرنامج، رهناً بإجراء خمس مراجعات في تلك الأثناء.
الصندوق، يرى أن البرنامج سيعمل على استعادة استقرار الاقتصاد المصري، وتشجيع النمو الاحتوائي، وتصحيح الاختلالات الخارجية واستعادة التنافسية، ووضع عجز الموازنة والدين العام على مسار تنازلي، وإعطاء دفعة للنمو وخلق فرص العمل مع توفير الحماية لمحدودي الدخل.
شهدت أسعار السلع ارتفاعات متتالية خلال العام الجاري، وتنتظر مزيداً من الصعود مع تعويم الجنيه المصري أمام سلة العملات الرئيسة، كأحد متطلبات الصندوق للموافقة على القرض.
وقررت مصر في الثالث من الشهر الجاري، تعويم الجنيه أمام العملات الأجنبية ليخضع لقواعد العرض والطلب ورفع أسعار الوقود المرتبطة بسعر الدولار في السوق.
ووقعت مصر خلال عضويتها في صندوق النقد الدولي منذ 71 عاماً، للمرة الثانية يوم الجمعة الماضية، اتفاقاً فعلياً لاقتراض دخل حيز التطبيق، بعد المرة الأولى في مطلع التسعينيات إبان حكومة الراحل عاطف صدقي، أثناء حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك.
الخبير الاقتصادي المصري “عز الدين حسنين”، يرى أن موافقة صندوق النقد الدولي على منح القرض لمصر حالياً، تساهم في إعطاء الثقة لمؤسسات التمويل الدولية حول العالم، في تقديم قروض وتسهيلات بأسعار فائدة منخفضة، وترفع تصنيف مصر الائتماني، وتعطي ثقة للمستثمر الأجنبي بأن مصر لديها برنامج اقتصادي طموح”.
وأضاف الأكاديمي المصري في حديث مع الأناضول، أن صرف الشريحة الأولى بقيمة 2.75 مليار دولار سيسهم نسبياً في استقرار سعر صرف الجنيه ورسالة إلى السوق السوداء (الموازية) تظهر استعداد البنك المركزي المصري لضخ ما يريده داخل السوق وقت اللزوم لرفع الجنيه.
وأعلن البنك المركزي المصري مساء الجمعة الماضية، عن تسلمه 2.75 مليار دولار قيمة الشريحة الأولى من قرض الصندوق البالغ 12 مليار دولار، لتسهم في زيادة احتياطي البنك من العملة الأجنبية إلى 23.5 مليار دولار.
ويتعين على مصر سداد نحو 3 مليارات دولار، قيمة سندات مستحقة الشهر المقبل، إضافة إلى 700 مليون دولار قيمة قرض لصالح نادي باريس (تجمع لدول مانحة) مطلع العام المقبل.
واشترط حسنين تحسن الاقتصاد المصري بعد القرض والتعويم، باستعادة العملة المحلية لقيمتها الحقيقة، والقضاء على السوق السوداء، وتراجع نسب التضخم المرتفعة.
وتعرض الجنيه المصري إلى سلسلة ضغوطات منذ ثورة 25 يناير 2011، وتراجعت قيمته أمام استمرار شح العملة الأجنبية في السوق المحلية، ليستقر عند 8.88 جنيهات/ دولار واحد قبل التعويم.
الخبير الاقتصادي والمصرفي في مصر “محمد عبد العال” قال إن صرف الشريحة الأولى من قرض الصندوق بقيمة 2.75 مليار دولار سيخفف الضغط الحالي على الجنية المصري أمام الدولار.
من جانب آخر، يرى الخبير الاقتصادي “رضا عيسى” أن قرض الصندوق والقروض المصاحبة له من جانب مؤسسات دولية أو إقليمية أو دول، من شأنه زيادة أعباء الدين الخارجي لمصر، سواء أقساط أو فوائد.
وارتفع الدين الخارجي لمصر خلال العام المالي الماضي 2015 /2016، بقيمة 7.7 مليارات دولار إلى 55.764 مليار دولار، وهو أعلى مستوى خلال 25 عاماً.
وقال “عيسى” للأناضول: “لا توجد رؤية اقتصادية واضحة للحكومة المصرية، في طريقة تعاملها مع مشاكل عجز الموازنة أو الدين العام، أو تراجع معدل النمو الاقتصادي”.
وأوضح أن “لجوء الحكومة المصرية إلى الاقتراض من أجل سداد قروض قديمة، أو لسد عجز الموازنة عبر بوابة الإنفاق الاستهلاكي وليس الاستثماري، يفاقم الوضع الاقتصادي ويدخل البلاد في نفق الديون المظلم”.
ويتعين على مصر خلال العام المالي الجاري 2016/2017 سداد فوائد خدمة الدين بنحو 292 مليار جنيه ( 17.17 مليار دولار)، وسداد قيمة سداد القروض المحلية والأجنبية بنحو 256 مليار جنيه (15 مليار دولار) وفق أرقام قانون الموازنة العام للعام الجاري 2016/2017.
واعتبر عيسى أن “الطبقات الفقيرة هي التي ستدفع فاتورة سياسة الحكومة المصرية للاقتراض من الخارج، عبر اتباع نهج تقشفي صارم، وزيادة الأعباء المالية عبر رفع أسعار الكهرباء وخفض دعم الوقود وتعويم الجنيه”.
وقالت وكالة ” ستاندرد آند بورز” للتصنيف الائتماني الجمعة الماضية، إن هناك عدة عوامل تحد من الانتعاش الاقتصادي التدريجي في مصر على المدى القريب، منها اتباع سياسة مالية ونقدية انكماشية، واستمرار نقص المعروض من الدولار، والانخفاض الكبير في إيرادات السياحة.
وتوقعت الوكالة عودة النمو الاقتصادي في مصر إلى التعافي خلال العام 2018-2019، مدعوما بالاستهلاك المحلي والاستثمارات، رهناً بتعافي الظروف الأمنية وزيادة تدفقات رأس المال، ومرونة تحويلات المصريين العاملين في الخارج، وبعض تدفق الاستثمارات الأجنبية، وتحسين امدادات الطاقة.
وتوقعت أن يظل التضخم عند مستويات مرتفعة في الأشهر المقبلة، مما يعكس الضغوط المتصاعدة الناجمة عن تعويم الجنيه وتطبيق ضريبة القيمة المضافة، وخفض دعم الوقود.
وأشارت إلى أن “البيئة الآمنة والاجتماعية في مصر، ما تزال هشة.. حوالي 26% من السكان في يعيشون في فقر، بسبب ارتفاع معدل البطالة إلى 13%”.
ورغم تراجع معدل التضخم السنوي في مصر إلى 14% في أكتوبر الماضي، مقابل 14.6% في الشهر السابق عليه، حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء( حكومي)، إلا أن أسعار سلع مثل الأرز ارتفعت بنسبة 48.5% والسكر بنسبة 43.5% والخضروات الجافة بنسبة 62.5% وزيوت الطعام بنسبة 36.4%.