لأول مرة.. يتدخل جهاز المخابرات العامة المصري ناشرًا نعيًا في صحيفة “الأهرام” الرسمية، اليوم الإثنين 14 نوفمبر، هذه المرة كانت من نصيب الفنان محمود عبد العزيز، الذي وافته المنية أول أمس السبت، عن عمر ناهز 70 عامًا داخل غرفة العناية المركزة بمستشفى “الصفا” في المهندسين، بعد صراع مع المرض ودفن أمس في مقابر العائلة بالإسكندرية.
وكان نص النعي: “إنا لله وإنا إليه راجعون”.. “المخابرات المصرية تنعي بمزيد من الحزن والأسى الفنان الكبير محمود عبدالعزيز، الذي أثرى بفنه العديد من الإبداعات، والذي جسد بصدق بطولات ابناء الوطن عبر إخلاصه وقدرته العظيمة، تغمد الله الفقيد بواسع رحمته، وللأسرة خالص العزاء”.
وذاع صيت محمود عبد العزيز في أرجاء العالم العربي خصوصًا بأدواره في مجال المخابرات والجوسسة، في فيلم “إعدام ميت” مثل دور عميل مخابرات مصري، ثم اتسعت رقعة شعبيته بالمسلسل التلفزيوني “رأفت الهجان” الذي يروي وقائع فصل هام من فصول تاريخ المخابرات المصرية.
وكان رفعت على سليمان الجمال هو الدور الذي حوّله محمود عبد العزيز إلى واحدة من أهم المسلسلات المخابراتية ” رأفت الهجان” والذي قدمه في 3 أجزاء من إخراج يحيي العلمي، ويدور حول ملحمة وطنية في ملفات المخابرات عن سيرة الجاسوس المصري رفعت الجمال، الذي تم زرعه داخل المجتمع الإسرائيلي للتجسس لصالح المخابرات المصرية، وكان له دور فعال في الإعداد لحرب أكتوبر.
“رأفت الهجان” والمخابرات
وروى كاتب المسلسل المقرب من جهاز المخابرات العامة صالح مرسي، في 4 فبراير عام 1987م، كيف ظهرت إلى الوجود قصته عن عميل المخابرات رأفت الهجان، فحسبما يقول الكاتب قرر وقتها أن يتوقف عن كتابة هذا النوع من الأدب، لولا لقاء بالمصادفة جمعه بشاب من ضباط المخابرات المصرية أخذ يلح عليه وبشدة أن يقرأ ملخصا لعملية من عمليات المخابرات.
ويقول الكاتب “ذات ليلة حمل الملف الذي يحوي تفاصيلها إلى غرفة نومه وشرع في القراءة وتمالكه إعجاب وتقدير كبير لشخصية رأفت الهجان وقرر أن يلتقي مع محسن ممتاز (عبد المحسن فايق أحد الضباط الذين جندوا الهجان) للحصول على تفاصيل إضافية تساعده في الكتابة عن الهجان، لكن محسن ممتاز رفض أن يعطيه معلومات حول شخصية الهجان الحقيقية”.
والتقى صالح مرسي بعدها أيضًا مع عبد العزيز الطودي المتخفي باسم عزيز الجبالي وهو أحد ضباط المخابرات المصرية من عام 1957 إلى عام 1977، الذي راح يروي على مدى عشرة فصول مخطوطة وعلى 208 ورقات ما حدث على مدى ما يقرب من عشرين عامًا.
منذ ظهور قصة “رفعت الجمَّال” إلى الوجود، كرواية مسلسلة، حملت اسم رأفت الهجَّان، في 3 يناير 1986م، في العدد رقم 3195 من مجلة المصوِّر المصرية، جذب الأمر انتباه الملايين، الذين طالعوا الأحداث في شغف مدهش، لم يسبق له مثيل، وتعلَّقوا بالشخصية إلى حد الهوس، وأدركوا جميعًا، سواء المتخصصين أو غيرهم، أنهم أمام ميلاد جديد، لروايات عالم المخابرات، وأدب الجاسوسية.
وتحوَّلت القصة إلى مسلسل تليفزيوني، سيطر على عقل الملايين، في العالم العربي كله، وأثار جدلاً طويلاً لدرجة أنه كان وقت عرض المسلسل تصبح الشوارع خالية تماما من الناس، ولأن الأمر قد تحوَّل، من مجرَّد رواية في أدب الجاسوسية، تفتح بعض ملفات المخابرات المصرية، إلى صرعة، ولهفة لم تحدث من قبل، وتحمل اسم “رأفت الهجان”، فقد تداعت الأحداث وراحت عشرات الصحف تنشر معلومات جديدة في كل يوم، عن حقيقة ذلك الجاسوس.
يذكر أن المسلسل الشهير برأفت الهجان لم تكن نهايته صحيحة بشكل كامل فإنها مختلفة عما تم عرضه في المسلسل وكما أن بعض الفقرات في حياته كانت خاطئة.
اختيار الساحر
وكان لاختيار محمود عبد العزيز لهذا الدور قصة غير عادية، فقد كان هناك صراع بينه وبين عادل إمام على بطولة المسلسل.
فقد روى الساحر في حوار سابق له أنه كان المرشح الأول للمسلسل بسبب “طبيعة الملامح الشخصية” للبطل، فهو بحسب الأحداث وسيم وملامح وجهه تناسب المهاجرين من الغرب لمصر، ويجيد التحدث بعدة لغات، وهذا كله لا ينطبق على عادل إمام، ولكن الزعيم لم يستسلم وتدخل بكواليس المسلسل داخل مبنى جهاز أمني سيادي، واستطاع إقناع بعض قياداته أن جماهيريته قادرة على إنجاح المسلسل.
التلويح بتدخل “مبارك”
التلويح بدخول الرئيس المخلوع مبارك في المعركة على تقديم دور رأفت الهجان، حسم الصراع سريعًا لصالح محمود عبد العزيز، الذي تلقى تكليفاً عاجلاً بالتوجه لمبنى المخابرات العامة لمقابلة الكاتب صالح مرسي والمخرج يحيى العلمي للتعاقد والبدء في التصوير.
وظلت الأزمة معلقة بين الساحر والزعيم حتى قبل أسبوع من وفاته، عندما أصر عادل إمام على محادثة محمود هاتفياً للاطمئنان عليه بعد انتشار أنباء تدهور حالته الصحية.