مثّلت الهجرة واحدة من أبرز القضايا التي هيمنت على الحملة الانتخابية للرئاسة الأميركية، وأثارت جدلاً، فالرئيس المنتخب دونالد ترامب وعد قبل الفوز، بإعادة المهاجرين غير القانونيين إلى بلدانهم، وبناء جدار عازل على الحدود مع المكسيك.
ورغم معارضة العديد من المنظمات المدنية والمؤسسات المدافعة عن حقوق الإنسان لوعوده، إلّا أنّ نتائج الانتخابات التي جرت يوم 8 نوفمبر الحالي، أظهرت للعيان أنّ تصريحاته تلك لاقت صدىً كبيراً في الولايات المتحدة، وتقبّلتها شريحة واسعة من المجتمع الأميركي.
وعقب فوزه بالرئاسة على منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون، بدأ النقاش يدور في الشارع الأميركي حول مدى تطبيق ترامب لوعوده، وانعكاسات ذلك على الحياة اليومية للمواطنين وعمل المؤسسات بشكل عام.
وبُعيد الفوز شارك ترامب في برنامج تلفزيوني (60 دقيقة) بُثّ على قناة (CBS) الأميركية، أكّد فيه أنّه سيقوم للوهلة الأولى بترحيل ما بين 2 إلى 3 ملايين مهاجر غير قانوني، ممّن لديهم سوابق جنائية والمشاركين في عصابات بيع الأسلحة والمخدرات، أمّا الباقون فسيتم تقييم أوضاعهم عقب ضبط أمن حدود البلاد.
وفيما يخص إنشاء جدار عازل على طول الحدود المكسيكية البالغ طولها 3 آلاف و100 كيلو متر، تراجع ترامب عن وعوده بعض الشيء، وقال إنه من الممكن أن يكون جزء من هذا الجدار على شكل أسلاك شائكة.
وعلى الرغم من إعادته النظر في بعض وعوده التي أطلقها أثناء حملته الانتخابية، إلّا أنّ تطبيق هذه الوعود على شاكلتها الأخيرة ستكلّف الخزانة الأميركية مبالغ طائلة، علاوةً على الإجراءات القانونية المعقدة المطلوبة لتنفيذ هذه الوعود.
– ترحيل المهاجرين غير القانونيين يكلف الولايات المتحدة أكثر من 100 مليار دولار
كشف تقرير لوزارة الأمن الداخلي في عام 2012، أنّ عدد المهاجرين غير القانونيين الموجودين داخل الولايات المتحدة، يبلغ قرابة 11.4 مليون، وهناك احتمال أن يكون هذا العدد قد تراجع إلى 11.1 مليون جراء عمليات الترحيل، ورفع مستوى التدابير الأمنية على طول الحدود البرية للبلاد في عهد الرئيس الحالي باراك أوباما.
وبحسب التقرير نفسه فإنّ 52٪ من المهاجرين غير القانونيين دخلوا الأراضي الأميركية هم من المكسيكيين، و15٪ من دول أميركا الوسطى، و12٪ من قارة آسيا، و6٪ من أميركا الجنوبية، و5% من جزر الكاريبي، ومثلها من دول أوروبا وكندا، والبقية من مناطق أخرى من العالم.
ورغم قيام الولايات المتحدة بترحيل قرابة 500 ألف مهاجر غير قانوني سنوياً، غير أنّ التدفق الكثيف لهؤلاء المهاجرين إلى أراضيها يحول دون تغير أعداد غير القانونيين فيها.
وبالنظر إلى القدرة الترحيلية الحالية للبلاد، فإنّ تنفيذ ترامب لوعده حيال ترحيل 2 إلى 3 ملايين مهاجر، تبدو صعبة للوهلة الأولى.
إذ أشار تقرير نشره منتدى العمل الأميركي إلى وجود قرابة 5 آلاف موظف أمن يعملون في مجال مطاردة المهاجرين غير القانونيين، وأنّ تفعيل خطة الترحيل يتطلب زيادة عدد هؤلاء الموظفين إلى 90 ألفاً.
ولفت المنتدى إلى ضرورة اتخاذ العديد من الخطوات قبل الإقدام على ترحيل المهاجرين غير القانونيين، وأنّ من أبرز هذه الخطوات، وجوب رفع عدد الأسرّة في مراكز توقيف المهاجرين من 34 ألف إلى 348 ألف، وزيادة عدد المحاكم المعنية بشؤون المهاجرين من 57 إلى 316 محكمة، إضافة إلى وجوب مضاعفة عدد القضاة المختصين بهذا الشأن من ألف و430 إلى 32 الف و445، علاوةً على زيادة عدد الرحلات الجوية والبرية.
كذلك رأى المنتدى أنّه على الحكومة الأميركية تخصيص أكثر من 100 مليار دولار للقيام بكل هذه الخطوات، وأنّ إنجاز خطة الترحيل تستغرق عامين كاملين.
– تكلفة ترحيل مهاجر واحد يصل إلى 12 ألف و500 دولار
وقبل ترحيل المهاجر غير القانوني من البلاد، هناك العديد من الإجراءات الأمنية الواجب القيام بها قبل عملية الترحيل.
ومن هذه الإجراءات، إلقاء القبض على المهاجر، وحجزه في مراكز التوقيف، وعرضه على المحكمة، وتسفيره عبر حافلات أو طائرات إلى خارج البلاد.
ووفق تصريح صدر من وزارة الأمن الداخلي عام 2011، فإنّ تكلفة ترحيل مهاجر واحد من البلاد تصل إلى 12 ألف و55 دولار، الأمر الذي يعني أنّ ترحيل ترامب لقرابة مليونين مهاجر سيكلّف الحكومة الأميركية مبلغاً يصل إلى 25 مليار دولار.
وفي حال تمّ إقرار تهجير 3 ملايين، فإنّ هذا الرقم سيرتفع إلى 37.5 مليار دولار.
أما ترحيل كامل المهاجرين البالغ عددهم 11 مليون، فإنّ تكلفتهم ستصل إلى 137.5 مليار دولار.
وإلى جانب التكاليف الباهظة لترحيل المهاجرين، فإنّ الولايات المتحدة ستخسر أيدي عاملة كبيرة، وسيطرأ ارتفاع على أسعار المواد بشكل تلقائي، وبالتالي فإنّ القطاع الخاص في الولايات المتحدة سيخسر سنوياً قرابة 400 مليار دولار.
– الصعوبات القانونية التي تواجه عملية الترحيل:
وبالتوازي مع الأضرار المالية المتوقع حدوثها في حال تم تفعيل خطة ترامب، فإنّ هناك صعوبات قانونية أيضاً تعترضعملية التنفيذ.
صعوباتٌ تتمثل في وقوع حالات انتهاك لحقوق الإنسان، فالقوانين الأميركية تنص على صدور قرار من المحكمة كي يتم عملية الترحيل، ومعروف أنّ عدد المحاكم المعنية بشؤون المهاجرين غير القانونيين ضئيل ولا يتجاوز عددها 57 محكمة.
وهناك أعداد من أولئك المهاجرين يقبعون منذ أكثر من سنتين في مراكز التوقيف، ينتظرون موعد عرضهم على المحكمة.
ولذلك فإن تنفيذ وعود ترامب يستدعي زيادة عدد المحاكم المعنية بشؤون المهاجرين ورفع عدد القضاة المختصين، وتسريع عملية التحقيق.
ومن أبرز الانتقادات التي وُجّهت لسياسة ترامب الترحيلية، تلك التي جاءت من الجهات التي تدافع عن حقوق الإنسان، فهذه المنظمات تخشى من تمزّق عائلات المهاجرين وفقدانهم لبيوتهم وأماكن عملهم في الولايات المتحدةة دون مقابل يُذكر.
وفي هذا السياق أعربت منظمة “هيومن رايتس ووتش” عن خشيتها من تسريع ترامب عمليات الترحيل، قائلة إنّ الإدارات الأميركية المتعاقبة كانت ترحّل المهاجرين بمجرد ارتكابهم مخالفة مرورية، و”نخشى من أن يقوم الرئيس الجديد بتسريع هذه العملية بعد استلامه زمام الأمور في البلاد”.
ووجهت المنظمة نداءً إلى ترامب دعته فيه إلى الرأفة بعائلات المهاجرين وعدم تمزيق شملهم. وأشارت إلى أن الكثير من هؤلاء باتوا يرتبطون بروابط عائلة من الذين يحملون الجنسية الأميركية.
– أوباما رحّل 2.4 مليون مهاجر غير قانوني خلال 6 أعوام
وتشير الإحصائيات الأخيرة لوزارة الأمن الداخلي إلى بلوغ عدد المهاجرين غير القانونيين المُبعدين إلى خارج حدود الولايات المتحدة في عهد الرئيس الحالي باراك أوباما ما بين عامي 2009 و2014، قرابة 2.4 مليون.
ويعد هذا العدد قياسياً مقارنة بأعداد المهاجرين المبعدين في عهد الإدارات الماضية.
وفيما يخص تكاليف بناء الجدار العازل على طول الحدود مع المكسيك، قال ترامب إنّ ارتفاع هذا الجدار سيصل إلى 10 أمتار وإنّ التكلفة الإجمالية تصل إلى 8 مليارات دولار.
غير أنّ الخبراء توقعوا بأن تصل التكلفة إلى 25 مليار دولار.