ماذا فعل عام كامل جديد من الإنهاك والتثبيط والتحبيط، في أولئك “المجانين” الحالمين بالعدل الكامل، والانتصار المطلق على الانقلاب العسكري في مصر؟
ماذا غيّرت المعطيات الجديدة، والمعادلات الناشئة، وأحاديث المصالحات، ومحاولات قتل الحراك، ومبادرات قتل الفراغ، في عقيدة هؤلاء الذين لا يزالون متمسكين بعودة الرئيس محمد مرسي إلى الحكم، تجسيداً لمفهوم استعادة الشرعية المختطفة؟!
قبل عام كامل، طرحت سؤالاً على الجمهور المناهض للانقلاب العسكري، من أصدقائي على موقع التواصل “فيسبوك”:
ما هو موقفك من عودة الرئيس محمد مرسي إلى الحكم عند كسر الانقلاب؟ وحدّدت ثلاثة اختيارات هي:
أمر مبدئي لا مساومة فيه، أمر مرفوض تماماً، لست مهتمّاً بالأمر، وأفضل تركه للأيام.
في ذلك الوقت، اهتم بتقديم إجابات عن السؤال نحو ألف شخص، بلغ عدد الذين قدّموا إجابات سليمة منهم 807 أشخاص إجمالي عدد الذين يعتبرون عودة الرئيس محمد مرسي أمراً مبدئياً، لا مساومة فيه، بلغ 752 شخصا، بنسبة 93.18% فيما عبر 24 شخصاً عن رفضهم القاطع عودة الرئيس، بنسبة 2.97% بينما ذهب 31 شخصا، بنسبة 3.84% إلى أنهم ليسوا مهتمين بأمر عودته، ويفضلون ترك هذه المسألة للأيام.
الآن يبدو الواقع أكثر قتامةً، والحراك الثوري المناهض للانقلاب أكثر شحوباً، بفعل عوامل كثيرة، دولية وإقليمية ومحلية، إذ يسجل اليمين المتطرّف صعوداً، في الولايات المتحدة وأوروبا، ويتعقد الوضع الإقليمي بشأن الموضوع السوري، على نحو يشي بأن قبح الأمر الواقع أقوى بكثيرٍ من الأحلام الجميلة بالعدل والإنسانية والديمقراطية.. ومحلياً، يبدو اليأس مخيّماً أكثر على الحالمين بإمكانية تحقيق وحدة ثورية، تقوى على الصمود أمام فاشيّة الانقلاب وانجرافه نحو مزيدٍ من انتهاك كل القوانين والمبادئ الإنسانية.
كل ذلك كنت أعتقد أنه سيؤثر بالسلب على الكتلة الجماهيرية التي لا تزال متشبثة بالحلم، ولا أدّعي أنهم يشكلون عينةً بحثيةً ممثلة للشعب المصري، بتنوعه واختلافاته، كما لا أزعم أنني بصدد استطلاع رأي متكامل العناصر العلمية والموضوعية.. فمنذ البداية، قلت إن الجمهور المستهدف بالسؤال، هو في مجمله، أو في غالبيته العظمى، رافض للانقلاب العسكري، ويرى في عودة الرئيس محمد مرسي إلى الحكم أمراً عادلاً ومنطقياً، بل ومفيداً.. وأكرّر أن الهدف كان معرفة ماذا طرأ على مواقف هؤلاء، بعد عام من الإحباطات والمهاترات الثورية العقيمة؟.
هذا العام، بلغ عدد الأصوات الصحيحة ممن اهتموا 806 أشخاص، اعتبر 770 منهم عودة الرئيس مرسي أمراً مبدئياً لا مساومة فيه، بنسبة 95.53% وقال 25 شخصاً يمثلون ما نسبته 3.1% إنهم يفضلون حسم هذه المسألة للأيام، بينما شدد 11 شخصاً على رفضهم عودة مرسي بنسبة 1.36%، وهذا يعني ارتفاعاً في نسبة “المجانين” أمثالي الذين يتعاملون مع قضية الدكتور مرسي من منظور أخلاقي، بصرف النظر عن حسابات الواقع ومعادلاته، التي، ربما، لا تكون في صالح الحالمين بانتصارٍ على القبح المدجّج بكل الأسلحة الجرثومية.
في ذلك، فاجأني أكاديمي مصري/ أميركي بحالة امتعاض وغضب، مثيرة للشفقة والأسى معاً، يعتبر فيها مجرّد طرحي للسؤال على أصدقائي “المجانين” شيئاً منافياً للعقل والمنطق وقواعد الإسلام” هكذا مرة واحدة”، إذ أرسل يقول:
“الإخوة في تونس والإخوة في فلسطين يبهرون الجميع في وضوح قضيتهم وقوه عزيمتهم، عقبال المصريين. إلى كل متشنج ومتعنت ممن يتنطع حتى اليوم في حتمية عودة الدكتور مرسي من الزنزانة إلى كرسي الحكم مباشرة، رغم أنف المنطق والناس والعقل والحكمة والعلم والسياسة والتاريخ، ورغم أنف قواعد الأسلام والسنة، أقول لهم أفيقوا، ربما تستيقظوا وتعيشوا معنا في الواقع، بدلا من العالم الأفتراضي الضبابي الذي تتمسّكون به، بينما مصر تحترق وتغوص في قاع الأمم”.
وأكرّر هنا ما قلته له: لكم واقعكم، ولنا عالمنا الافتراضي المجنون. استمتعوا بواقعيتكم.