تمر الأمة الإسلامية بمرحلة من مراحل الضعف والهوان، التي تصيبها بين الحين والآخر، ففي كل مرحلة من تاريخ أمتنا يصيبها التخلف والتأخّر، نتيجة لغياب الوعي، وتكالب الأعداء عليها، واستخدامهم لكل الوسائل لهدم بنيانها، واستنفاذ ثرواتها، وتسخير بعض أبنائها لخدمة مشروعهم وأهدافهم التي تصبُّ في إهدار مقدرات الأمة، وتصدير الأزمات من حين لآخر.
ومن أهم المشاكل التي تعترض تقدّم الأمة، والعودة إلى سيرتها الأولى غياب الرؤية لدى النخب، بكل أطيافها (السياسية، والثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإعلامية، وغيرها)، التي تتصدّر المشهد، وعدم إدراكها أحيانًا لطبيعة المرحلة.
إن أدق تشخيص لحالة أمتنا اليوم، هو أننا مصابون بما يشبه الشلل المعنوي والفكري، في جميع أجهزتنا الأخلاقية، وملكاتنا النفسية، ومواهبنا الشخصية، وطاقاتنا العقلية، والعملية والعلمية، وكذا الاقتصادية، والروحية.
وإذا عقدنا مقارنة بين قادة الحركة الصهيونية الذين خططوا لتحصين دولة الاحتلال قبل قيامها، وبين سياسيين عرب يتنازعون السلطة، فلا أحد يفوق الساسة العرب – إلا من رحم ربي – في الهوس بالسلطة والاستعداد للتفريط في المصلحة الوطنية، من أجل مصالح شخصية زائلة، بل وصل الأمر بالبعض أن يسعى بكل السبل لقتل شعبه، وإهدار مُقدّراته خدمة لأعداء الأمة!
وهكذا ضاعت فرص عديدة وظلت البلاد تراوح مكانها بسبب ضعف ذاكرة الشعوب، وغياب ثقافة التوثيق والتقييم والاعتبار والمحاسبة، فلا أحد يتحمّل مسؤولية أخطائه فضلا عن أن يعتذر أو يعتزل، الكل يتفنّن في التنصّل من المسؤولية، وإيجاد المبرّرات والشمّاعات، والسبب في ذلك هو غياب مشروع نهضوي، وزعامات وطنية تُعبيء الشعب وتوحّده، وضعف الهوية الوطنية والحس الوطني لحساب الولاءات والنَزعات والأجندات الفئوية.
إذن كيف السبيل لاستعادة أنفسنا مرة أخرى لنصرة قضايا الأمة؟
أولا: أن نعرف طبيعة المهمة الأساسية التي خُلقنا من أجلها، ونسعى بكل السبل لتحقيق هذه المهمة، يقول الله سبحانه وتعالى: (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) (هود: 61)، فالله عزوجل لم يقل أنه عمّر الأرض للإنسان، بل أنه سبحانه خلق هذا الكون، وأودع فيه الثروات والخيرات والإمكانيات، ثم فوّض إلى الإنسان أن يستغل هذه الثروات والإمكانيات من أجل إعمار الأرض، فهل استوفينا الاستعداد لعمارة الأرض والاستخلاف فيها، أم لا زلنا نراوح مكاننا دون تقدُّم يُذْكر؟
ثانيًا: الأخذ بأسباب القوة، على اختلاف صنوفها وألوانها وأسبابها، مادّيةً كانت أو معنويةً، قال تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ)، فالخطاب لكافة المسلمين; لأنّ المأمور به وظيفة كافتهم، وتشمل كل ما يطيقونه من الوسائل المختلفة، وأول أسباب القوة بعد الإيمان بالله وحُسن التوكل عليه، الوحدة والاجتماع، وترك الفرقة والاختلاف قال تعالى في كتابه الكريم: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال:46)، فالتنازع يؤدي إلى الفشل، وذهاب القوة، وتشتيت الجهد، ويعطي الفرصة لأعداء الأمة لتفتيتها، وإشاعة الفرقة بين أبنائها.
ثالثًا: التفاؤل بنصر الله لعباده المؤمنين، لأن المتشائم لن يرى إلا راية الباطل قد رُفعت، واجتمع حولها أصحابها، ومن ينظر بعين التفاؤل يقول إن راية الحق لم تُرفع بعد، ولو رُفعت لاجتمع حولها أهلها، بدليل ما نشاهده من غضب معظم المسلمين لما يحدث في حلب وغيرها من المدن السورية، وهبّة الكثيرين لنصرتها بالوسائل المختلفة، فالتفاؤل مطلوب برغم كل التحديات والأوجاع التي تمر بها الأمة، فنحن خير أمة أخرجت للناس، ولدينا كتاب قد تكفّل الله بحفظه، وبحفظ طائفة من الناس تظل على الحق.
ولعل من أكبر حسنات الثورات العربية، أنها أسقطت الأقنعة وأزالت الأوهام، وأثبتت أنه لا جدوى إلا بالتغيير الجذري بنهضةٍ تقودها الشعوب، من أجل تحقيق مستقبلها، وتحديد وجهتها، والسير في طريق التقدُّم والنهوض، بالطرق السلمية، وليس مجرد تغيير رؤوس الأنظمة والحُكّام، وإحداث إصلاحات شكلية!