مع انقضاء عام ٢٠١٦م، تقف الذاكرة السياسية على أداءات مختلفة على مستوى العالم سواء للدول أو الأفراد الممثلين لها، وعادة ما يكون ذلك الأداء معبرًا جيدًا عن رؤية سياسية ما، أو عقلية من يقود الموقف، كما أنه يعكس مدى حرفية الدول ومؤسساتها في التعامل مع الواقع السياسي ومستجداته.
وقد جاء أداء الخارجية المصرية في ٢٠١٦ ممثلا في وزير الخارجية وبعض دبلوماسييها مستحقًا للتحليل والتقييم، ونتناول في التقرير التالي أبرز ملامح هذا الأداء من خلال بعض المواقف ومنها:
رفض مصافحة الرئيس التركي
في 14 أبريل ٢٠١٦م، انطلقت فعاليات الدورة 13 لقمة دول منظمة التعاون الإسلامي تحت شعار “الوحدة والتضامن من أجل العدالة والسلام”، وبمشاركة ثلاثين من ملوك ورؤساء الدول الإسلامية، إلى جانب عدد من وزراء خارجية الدول الأعضاء بالمنظمة.
وسلم وزير الخارجية المصري سامح شكري رئاسة قمة منظمة التعاون الإسلامي إلى تركيا، التي ترأس الدورة الحالية .
وغادر شكري القمة فورًا دون أن يصافح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مخالفًا بذلك البروتوكول المعتاد في حالة اثتسلين رئاسة المنظمة.
وأشارت الصحف التركية في حينها أن الجانبين تجنبا التصافح، وكانت البداية من أردوغان عندما تعمد الصعود إلى المنصة من جهة تجنبه المرور بوزير الخارجية المصري، وقالت الصحف إن البروتوكول يقتضي على الخارجية المصرية الإشارة إلى الجانب التركي في خطاب التسليم وهو ما لم يفعله وزير الخارجية المصري.
التواصل مع العراق من أجل النفط..نقطة تحول
وفي مؤشر جديد على الوجهة التي أخذت مصر تميل نحوها شيئًا فشيئًا، وقعت القاهرة في ٢٠١٦م، مع بغداد مذكرات تفاهم للعمل المشترك في مجالات النفط والغاز، تحصل بموجبه مصر على إمدادات نفط تؤمن احتياجاتها الملحة منه مع تسهيلات في الدفع.
خطوة وضعها متابعون ضمن سياق أوسع أظهرت فيه القاهرة تقاربًا متزايدًا مع المحور الذي يجمع كلا من العراق وإيران وروسيا وسوريا.
هذا التعاون النفطي بين مصر والعراق ليس جديدًا، كما بيّن مستشار المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية يحيى الكبيسي، بل يعود إلى 2008 مع زيارة وزير الخارجية المصري وقتذاك إلى بغداد وتوقيع العديد من التفاهمات آخرها في مارس/آذار الماضي.
ويرى الكبيسي أنه لا توجد سياسة حقيقية لمصر، مرجحا أن الحاجة الاقتصادية تدفعها للتلاعب بالمواقف السياسية، معتقدة أن التقارب مع العراق سيدفع الخليجيين لزيادة دعمهم المالي.
وتعليقا على نفس الحدث قال الكاتب والمحلل السياسي السعودي سليمان العقيلي إن علاقة مصر والعراق من حيث المبدأ هي من شؤون السيادة المصرية، غير أن الأمر سياسيا لا يقتصر على ذلك، لأن المنطقة تشتعل بحروب بين محورين في ظل سعي إيراني للهيمنة.
وأضاف أنه مع هذه الحال، كان المتوقع أن تكون مصر في الصف الأول مع السعودية، أما وقد اختارت أن تصطف مع المحور الآخر أو أن تضع رجلا هنا ورجلا هناك فهذا يضفي شكوكا على سياستها ويثير التساؤل الأهم هل الخارجية المصرية تدرك خطورة الخطوة؟
قتل إسرائيل لأطفال فلسطين ليس إرهابا!
ومن أخطر التصريحات التي صدرت عن وزير الخارجية المصري سامح شكري أثناء زيارته لإسرائيل في يوليو ٢٠١٦ أن إسرائيل عندما تقتل الأطفال الفلسطينيين فهو تصرف ضمن الدفاع عن النفس، وفي نفس الزيارة صرح قائلا:” إنه لا يوجد دليل قاطع على علاقة إسرائيل بمنظمات إرهابية إسرائيل نظرا لتاريخها يرتفع فيها عنصر الأمن والأمان، لأن المجتمع من منظورها يواجه تحديات كثيرة زكت فكرة الأمن والأمان والسيطرة على الأرض وإحكام المنافذ، معتقدة أن هذا يسهم في حمايته”.
وهو ما أثار سخط واندهاش العديدين في الأوساط السياسية العربية بل والعالمية ورآه خبراء أنه تأكيد على أن العلاقات بين مصر وإسرائيل في عهد السيسي لها طابع خاص يتميز بالدفء والتعاون.
وصف الأفارقة” بالكلاب والعبيد”!
ومن أكثر المواقف تسببا في إحراح الدبلوماسية المصرية وخارجيتها في ٢٠١٦ وصف رئيس الوفد النصري بمؤتمر الدورة الثانية للجمعية العامة للأمم المتحدة للبيئة في العاصمة الكينية نيروبي للأفارقة بالكلاب والعبيد وهو التصرف الذي لم تظهر الخارجية المصرية إزاءه تحرك يعكس حرفية العمل الدبلوماسي مما أساء لمصر إفريقيا وعالميا.
ميكروفون الجريرة
وفي موقف مثير أيضا في ٢٠١٦ أقدم وزير الخارجية المصري على إلقاء ميكروفون الجزيرة بعيدا في اجتماعات خاصة بملف سد النهضة وهو الأمر الذي صار فيما بعد مجال تندر وسخرية الكثيرين.
خارجية ضد إدانة الانتهاكات الجنسية!
وضمن مسلسل السقطات التي لاحقت الأداء الدبلوماسي المصري والخارجية المصرية في ٢٠١٦ ، عدم موافقة مندوب مصر بالأمم المتحدة في مارس٢٠١٦ على قرار يدين الانتهاكات الجنسية التي يرتكبها جنود قوات الأمم المتحدة، ورفضه خلال تولي بلاده رئاسة مجلس الأمن لشهر مايو الماضي عقد جلسة طارئة لمناقشة الهجوم الروسي السوري على مدينة حلب.
وبشكل عام وتقييما لأداء الخارجية المصرية في ٢٠١٦
يرى البرلماني السابق ثروت نافع أن أداء الخارجية المصرية يعكس حالة تدهور وعدم احترافية ظهرت في مصر منذ بدايات حكم العسكر في ١٩٥٢، وتضخمت بصورة غير مسبوقة منذ الانقلاب، وباتت هذه السقطات في الآونة الأخيرة منهجا.
واعتبر في تصريحات صحافية له أن ذلك يرجع لكون من يتولون زمام القيادة يُختارون على أساس أنهم أهل تقرّب للنظام، بينما لا اعتبار لأصحاب الخبرة، كما يرى أن اعتلاء قيادات الجيش المناصب الدبلوماسية كجائزة لهم على خدمة النظام العسكري كان من الأسباب التي أثرت في تراجع الدبلوماسية المصرية.
خلل بالاختيار
بدوره، يرى رئيس تحرير صحيفة المشهد مجدي شندي أن هناك خللا في اختيار من يمثلون مصر في محافل دولية وإقليمية يعكسه تكرار الأخطاء التي تنفي عنصر المصادفة.
في المقابل، يرى مختار الغباشي نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية أن الدبلوماسية المصرية رغم وقوعها في بعض الأخطاء، تميزت منذ 3 يوليو 2013 باعتماد فكر جديد لم يكن موجودا في السابق.
ويعتبر الغباشي أن ما تم رصده باعتباره “سقطات” للدبلوماسية المصرية “لا يعد مأخذا عليها”، فهي في تقديره مواقف تقع فيها جميع الدبلوماسيات بما فيها التابعة للدول الكبرى في العالم، وهي لا تعكس توجها محددا أو تدل على قصور أو ضعف.