كشف الصحفي الأميركي “بيتر هسلر” عن بعض ملابسات صعود السيسي إلى قمة هرم السلطة، وخداعه لجميع الأطراف، وذلك في تحقيق بعنوان “ثورة مصر الفاشلة” نشرته صحيفة “نيويوركر” الأميركية.
استهل الكاتب بالإشارة إلى الطبيعة الغامضة للسيسي؛ حيث أكد له عدة مسؤولين أميركيين أن السيسي – الذي ارتكب مذبحة راح ضحيتها ما يزيد عن 1000 شخص – لديه سمعة الحديث بهدوء شديد، ويقول المسؤولون الأميركيون إنهم لم يلتفتوا إلى السيسي أثناء دراسته في الولايات المتحدة، كما أن سيرته الذاتية كانت ضعيفة للغاية، والثورة يقوم بها الشجعان أصحاب الصوت العالي ويتم استقطابها من ممن يتصفون بالحيطة والحذر، ويفوز بها هم من يترقبون وينتظرون.
وينقل الكاتب عن أحد المسؤولين الأميركيين في وزارة الخارجية الأميركية، والذي تواصل مع الجيش والإخوان أن السيسي كان هو المسؤول عن المباحثات السرية مع جماعة الإخوان المسلمين أثناء قيادة المجلس العسكري للبلاد، ويصف دبلوماسي أوروبي آخر أن الترتيبات كانت بمثابة “تعايش” بين الجانبين; فطالما أن الإخوان لا يتدخلون بشكل مكثف في شؤون الجيش، فإن الجيش سيسمح لهم بتولي رئاسة حكومة مدنية.
وبعد انتخاب مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيًا، أقال وزير الدفاع ورئيس القوات البحرية والجوية، وهو ما امتدحه الثوار الشباب، معتبرين ذلك إشارة إلى عزم مرسي على الحد من نفوذ الجيش، إلا أن ذلك تغير تمامًا بعد إصدار مرسي للإعلان الدستوري، وفقد بعده الإخوان دعم الثوار، وخلال أزمة الإعلان الدستوري، التقى وزير الدفاع الأميركي “تشيك هيجل” السيسي، وصرح “هيجل” بأنه تحدث هاتفيًا مع السيسي لأكثر من خمسين مرة بعد أول لقاء بينهما، ولمدد تصل إلى ساعة.
وبحسب الكاتب، فإن السيسي قد أقنع معظم من التقاهم من مسؤولين خارجيين بأنه لا ينوي تولي السلطة، ” يتذكر “هيجل” في حواره مع الكاتب ما قاله السيسي له وقت اندلاع مظاهرات الثلاثين من يونيو “ماذا عليّ أن أفعل، لا أستطيع الهرب، لا أستطيع أن أخذل بلدي، يجب على قيادة البلاد; فلدي الدعم، أنا الشحص الوحيد القادر على إنقاذ هذه البلاد”.
ويقول مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأميركية “حتى النهاية، اعتقد قادة الإخوان المسلمين أن السيسي في صفهم، وأعتقد أن مرسي تفاجأ بتحول السيسي ضده، وأثناء ترشحه للانتخابات لم يكن لدى السيسي برنامج واضح، إلا أنه بعد توليه الرئاسة ظهرت سلسلة من التسريبات، أظهرت الكثير عنه، وتحدث خلالها عن مواضيع حساسة، بدأ من التلاعب بالإعلام، والحصول على الأموال من دول الخليج، وأصبحت انتهاكات حقوق الإنسان أسوأ بكثير مما سبق، وأصبح الاقتصاد سيئًا بشكل خطير، وبات من المستحيل إحداث السيسي لأي تغيير.
ويلفت الكاتب إلى ما حدث معه أثناء مرافقته للوفد المصاحب للسيسي على الطائرة نفسها، خلال زيارة السيسي إلى المملكة المتحدة؛حيث صرح سامح سيف اليزل له أن الهدف من زيارة السيسي لبريطانيا اقتصادي، بينما كان السفير البريطاني “جون كاسن” غير مهتم بالأهداف الاقتصادية لزيارة السيسي؛ إذ كان يقرأ في دراسة أعدها معهد “كارنيجي” بعنوان “التمرد الإسلامي المتصاعد في مصر” وأشار في حديثه مع الكاتب إلى العدد الكبير للجنود المصريين القتلى في سيناء خلال العامين الماضيين قائلًا: “عدد الجنود القتلى يزيد عن سبعمائة جندي، أكثر مما فقدناه في أفغانستان كلها”، حيث قتل ما يقرب من أربعمائة وخمسون جنديًا بريطانيًا في الحرب الأفغانية.
وينقل الكاتب عن عدد من المسؤولين الأميركيين تأكيدهم على أن السيسي وغيره من العسكريين، اعتقدوا خلال المراحل الأولى من اعتصام التحرير أن شفيق أكثر خطورة من مرسي. ويبدو أنهم اعتقدوا أن الإخوان يمكن السيطرة عليهم بسهولة، في حين أن شفيق قادم من إحدى أطراف السلطة الحقيقية، وحتى بعد هزيمة الإخوان – بحسسب تعبير الكاتب – أبقت السلطات شفيق في المنفى، ويقيم حاليًا في منطقة الخليج، وتمنعه الملاحقات القانونية من القدوم إلى مصر (تم رفع اسمه من قوائم ترقب الوصول مؤخرًا بعد حكم المحكمة لصالحه).
كانت الصين واحدة من أولى الزيارات الرسمية للسيسي، في عام 2014، وزارها مرة أخرى في العام التالي، ودار الحديث في الصحافة، عن الاقتداء بالصين باستخدام الحكم الديكتاتوري في سبيل خلق سياسة اقتصادية حاسمة، ولكن المحللين الأجانب لا يأخذون هذا الاقتراح على محمل الجد، وقال دبلوماسي صيني في القاهرة للكاتب صراحة: “مصر تسير في الاتجاه المعاكس للصين”، وأضاف “إنها صورة عكسية”، ويقول أشرف الشريف، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة، “أستطيع أن أتفهم العقد الاجتماعي القائم على الاستبداد في مقابل التنمية. ولكن في مصر لديك الاستبداد فقط في مقابل عدم التنمية”.
ويشير الكاتب إلى نص تسريب عباس كامل مع السيسي والتي يتحدثان فيها عن عشرات المليارات من الدولارات، طلبها السيسي من دول الخليج، فيما يبدو أن لا أحد في القاهرة يعرف من يدير السياسة الاقتصادية، فبعد توليه منصبه، خفض السيسي بعض الدعم على الوقود والكهرباء، وهي الخطوة التي أشاد بها الاقتصاديون كخطوة أولى نحو نظام أكثر استدامة، لكنه لم يتم اتخاذ تدابير أخرى، وبدلا من ذلك، ركز السيسي في الغالب على المشروعات العملاقة الضخمة، مثل توسيع قناة السويس، والتي تكلف أكثر من ثمانية مليارات دولار، وفي رأي معظم الاقتصاديين من غير المرجح أن تقدم الكثير من المنافع في المستقبل القريب ومؤخرًا تم تمرير محاولة ضعيفة لإصلاح الخدمة المدنية من قبل البرلمان.
ويقول أحد الدبلوماسيين الأوروبيين: “الإماراتيون والسعوديين منحوا السيسي 30 مليار دولار خلال عامين، دون أن يحصلوا على شيء في المقابل، لكن كل هذه الدول حصلت بالضبط مقابل ما دفعته; فما يدفعهم دائمًا هو التعريف الضيق للاستقرار، فجميعهم يريدون النظام المصري الذي يحارب تطرف الإسلاميين، وإذا ما أرادوا التغيير السياسي والاجتماعي، فإنهم لن يوجهوا معظم أموالهم إلى الجيش المصريط.
ويشير الكاتب إلى ما ذكره وزير الدفاع الأميركي له، من أنه حذر السيسي من استخدام الشرطة المصرية الوحشية ضد المتظاهرين، فما كان من السيسي إلا أن قال له “أنا لا أسيطر على الشرطة”، وبعد المذبحة تحدث “هاجل” مع السيسي تليفونيًا، وبحسب “هاجل” فإن السيسي أعرب عن أسفه الشديد مما حدث، وقال له إنه كان يأمل في عدم حدوث ذلك، وتحدث السيسي هذه المرة عن عائلته، وقال له إن عائلته آلمها ما رأته من أحداث، بينما كانت زوجته مستاءة للغاية، ولم يقل السيسي إنهم لاموه على ما حدث لكنهم تأثروا للغاية ويصلون للجميع.
ويلفت الكاتب إلى المظاهرات التي شهدتها القاهرة ضد تنازل السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير ويختم بقول “بكر” – أحد المعتقلين بسبب مظاهرات “الأرض” – لقد تعلمت أنه طالما أن لدي الحق، فلا بد أن أدفع الثمن مثل الآخرين”. ويضيف بينما يأخذ نفسًا عميقًا من سيجارته: “لا يوجد مدخن أكثر سعادة من شاب يدخن السجائر بعد خروجه للتو من السجن في أول ليلة من رمضان”، ويضيف: “لقد تعلمت أيضًا أن الظالم هو من يخاف”.