أشاد مركز بحثي بالاتفاق التركي الروسي، الذي توصل إلى وقف إطلاق النار الساري في سوريا منذ 29 ديسمبر الماضي، واصفًا أنقرة وموسكو بـ”الطرفين الفاعلين الرئيسين” في المسألة السورية، ومعتبرًا الاتفاق “خطوة مهمة” على طريق الحل السياسي للصراع السوري، رغم وجود “صعوبات كبيرة”.
فحول فرص نجاح هذا الاتفاق، نشر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (غير حكومي مقره الدوحة) “تقدير موقف” مؤخرًا، قال فيه إن المؤشرات تدل على جدية أنقرة وموسكو، ومصلحتهما، في السعي للوصول بالأزمة السورية إلى نهايتها.
المركز اعتبر، أن أهم عوامل فرص نجاح الاتفاق التركي الروسي هو فشل التفاهم الروسي الأمريكي، مشيرا إلى أنه منذ التدخل العسكري الروسي في سوريا في 30 سبتمبر 2015 ، توصلت الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا إلى اتفاقين لوقف إطلاق النار، انبثق الأول من تفاهمات فيينا، التي جرى التوصل إليها منتصف نوفمبر ٢٠١٥.
أما الاتفاق الثاني، فجرى إقراره، يوم 9 سبتمبر 2016، بعد محادثات مكثفة بين وزيري الخارجية الأمريكي، جون كيري، والروسي، سيرجي لافروف، بهدف تنسيق جهود الطرفين لمواجهة التنظيمات المتطرفة في سوريا (داعش وجبهة النصرة)؛ وإحياء مفاوضات إنهاء الصراع القائم في سوريا منذ منتصف مارس 2011.
وبحسب المركز البحثي، فشل الاتفاقان في الحفاظ على وقف الأعمال القتالية؛ بسبب اقتناع النظام السوري وإيران (الداعمة له) بإمكانية الحسم العسكري بعد التدخل الروسي (لصالح قوات بشار الأسد)، واستمرار الخلافات الروسية الأمريكية حول موضوع التنسيق الأمني، وإصرار موسكو على “وحدة” المسارين السوري والأوكراني (خلافات بين الغرب وروسيا منذ ضم موسكو أراض أوكرانية بالقوة).
تقارب تركي روسي
بالتوازي مع تعمّق فجوة عدم الثقة بين الجانبين الروسي والأمريكي، والتركي والأمريكي، وفق المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، شهدت العلاقات التركية الروسية تقاربا مضطردا، خاصة في أعقاب المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، منتصف يوليو 2016، وتنامي الشكوك التركية في نيات واشنطن في ضوء الدعم الكبير الذي تقدمه لوحدات حماية الشعب الكردية في سوريا.
المركز البحثي اعتبر أن الاتفاق التركي الروسي الراهن بشأن سوريا “يتميّز عن الاتفاقات السابقة بغياب المماحكات الروسية– الأمريكية، التي أدت إلى فشل اتفاقي فبراير وسبتمبر 2016، وحضور الطرفين الفاعلين الرئيسين في المسألة السورية؛ فروسيا تعد الراعية الأكبر للنظام السوري، وتركيا صاحبة النفوذ الأكبر على المعارضة السورية”.
مصالح أنقرة وموسكو
بشأن مستقبل الاتفاق التركي الروسي، توقع المركز البحثي أن يمثل خطوة مهمة على طريق الحل السياسي في سوريا، حيث إن كل المؤشرات تدل على جدية الطرفين، ومصلحتهما، في السعي للوصول بالأزمة السورية إلى نهايتها.
وموضحا، تابع أن تركيا باتت تنظر إلى الأزمة السورية باعتبارها خطرا يهدد وحدتها واستقرارها في ظل تنامي التهديدات الأمنية الناتجة من استمرار الصراع، إذ إنها تخوض حربا مزدوجة ضد تنظيم داعش وحزب العمال الكردستاني في آن معا، إضافة إلى أن الدعم الأمريكي للأكراد يزيد مخاوف أنقرة من احتمال إنشاء دولة قومية كردية في الشمال السوري.
أما الروس، وفق المركز البحثي، فيريدون بعد أن قلبوا بتدخلهم المعادلات الميدانية، إثبات قدرتهم على صنع السلام، انطلاقا من حجم التأثير والنفوذ الذي باتوا يملكونه في سوريا وفي الفاعلين الإقليميين، إضافة إلى أن روسيا لا تريد أن تغرق أكثر في المستنقع السوري في ظل أوضاع اقتصادية سيئة تمر بها.
إيران وجبهة النصرة
لكن توجد، بحسب المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، عقبات أمام الاتفاق التركي الروسي، أهمها هو غياب إيران عن اتفاق حلب (شمالي سوريا)، الذي أخرج قوات المعارضة من المدينة، كما غابت طهران عن اتفاق أنقرة، الذي أسفر عن وقف إطلاق النار، فالاتفاقان كانا ثمرة جهد ثنائي تركي – روسي.
كما يمثل وضع “جبهة فتح الشام” (النصرة)، وفق المركز البحثي، قنبلة موقوتة أخرى في قلب اتفاق أنقرة موسكو، وسط اختلاف التفسيرات بشأن إن كان وقف إطلاق النار يشمل الجبهة أم لا، خاصة وأن فصائل المعارضة السورية تقول إن الاتفاق لا يستثني إلا تنظيم داعش.
صعوبات أمام الحل
المركز البحثي اعتبر أنه “من بين كل المحاولات السابقة لوقف القتال في سوريا وتمهيد الطريق لحل سياسي يضع حدا لمعاناة الشعب السوري، ويحقق تطلعاته في حياة ديمقراطية حرة وكريمة، يبدو الجهد الروسي- التركي الأخير الأكثر جدية”.
وعن احتمالات نجاحه، قال إنها “تبدو أكبر مقارنة بما سبق. ويعود السبب في ذلك إلى النفوذ الكبير الذي يملكه الروس والأتراك لدى أطراف الصراع السوريين والإقليميين، وظهور ما يشبه حالة إجماع دولي وإقليمي على وجوب إنهاء الأزمة التي شملت أضرارها الجميع بدرجات متفاوتة”.
غير أن المركز أضاف أن “هناك صعوبات كبيرة تواجه إمكانية التوصل إلى حل سياسي للصراع في سوريا، وربما تحدث جولات قتال أخرى قبل الوصول إلى حل نهائي، مرجعا ذلك إلى “تباين توقعات مختلف الأطراف حول طبيعة هذا الحل ومخرجاته”.
وعلى رأس تلك التوقعات، وفق المركز البحثي، “تمسك النظام السوري بأدبياته حول الأزمة (لاسيما بقاء الأسد رئيسا)، وموقف إيران المتماهي معه بهذا الشأن، إضافة إلى التحديات الماثلة أمام المعارضة باتجاه تقديم بديل مقنع (سياسي وعسكري) يكون على مستوى التضحيات التي قدمها الشعب السوري، والبسالة التي واجه بها أحد أسوء الأنظمة التي واجهها أي شعب في سعيه نحو التحرر من الطغيان”.