“مال النساء ومال الحرب!” فما خلقت النساء إلا للمتعة والزينة! بمثل هذا القول وغيره كثير يتشدق بعض الرجال على نساءهم، إلا أن لسان الواقع وحقيقته تقول عكس هذا تماما! كما وأن الحروب المستعرة في أقصى الأرض وأدناها لم تبق للنساء زينة لهن ولم تذر، فإن كان الرجال شرار الحرب ووقودها فالنساء هن رمادها وضحاياها…، وخير شاهد على صدق هذا الأمر وصحته هو معاناة المرأة الحية أمامنا في كل النزاعات المسلحة القائمة حاليا سواء أكان في سوريا أو ليبيا أو اليمن أو العراق…، وما آل إليه حالها المزري والمتباين بين الفقر والحاجة والقهر وبين الاغتصاب والاعتداء والقتل.
مآسي النساء في الحرب
لو علم الرجال بأن أول ما يقدمونه قربانا للحرب هن نساءهم، أمهاتهم وبناتهم وزوجاتهم وأخواتهم والسلسلة طويلة! لفكروا ألف مرة تتلو المرة قبل أن يخطوا بأقدامهم نحو الحرب خطوة واحده، ذلك لأن قائمة المآسي التي تعانيها المرأة أثناء الحروب وبعدها تشمئز لها الأبدان وتقشعر، ومن مآسيها على سبيل الذكر هو :
خروج المرأة لتأمين لقمة العيش
مع غياب المعيل الذي خرج للحرب أو قتل فيها أيا كان الزوج أو الأخ أو الأب أو الإبن، تضطر المرأة مجبرة للخروج لتأمين لقمة العيش واقتحام سوق العمل المضنى الذي فرضته عليها متطلبات الحياة القاسية، ولأن خروجها هذا لم يكن بالشكل اللائق بها ولا بأنوثتها، ولا سيما في ظل ما تعانيه من فقر وحاجة وغياب للمعيل والسند وثقل للمسؤولية، جعلها مطمع لتجار الحرب وسماسرته الذين هم في معظمهم – ان لم يكن في مجملهم – من الرجال، كمحتكري الطعام مثلا الذين يعمدون إلى استغلال المرأة وابتزازها يوميا، إما جسديا بالتحرش أو الضرب أو معنويا بتعنيفها واهانتها لفظيا، في سبيل حصولها على حصة غذائية لها ولعائلتها، كما يحدث مع كثير من اللاجئات السوريات في المخيمات وفقا لشهادتهن الحية، هذا إضافة إلى ما يتعرضن إليه في حال خروجهن إلى خارج المخيمات لتوفير الماء والحطب من المناطق المفخخة بالألغام، وتعرضهن إما للموت نتيجة انفجار أحد الألغام أو لفقدان أحد أطرافهن في أفضل حال.
تعرض المرأة للقتل والعنف الجسدي أو الاغتصاب
ليس الزج بالمرأة في سوق العمل واضطرارها للخروج بهذا الشكل المهين هو آخر مآسيها مع الحرب بل أولها، فهناك ما هو أدهى وأكثر مرارة، إلا وهو حتمية تعرضها للاضطهاد الجسدي بكل أنواعه واشكاله، فالأعداد المهولة والمروعة للنساء المغتصبات والمعتدى عليهن جسديا خلال الحروب وما بعدها يجعلنا بصدد قضية مأساوية لا بد من الإسراع في حلها حلا جذريا وحقيقيا بأقصى وقت ممكن، بدلا من الخطابات الرنانة والأحاديث المتتالية عن المرأة وحقوقها، ففي 2014 أعلنت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بأن 16 الف سيده سورية تعرضت للقتل خلال الحرب داخل سورية ، منها قرابة 7500 حادثة اعتداء جنسي، من بينهم 850 حالة حدثت داخل مراكز الاحتجاز، منها 400 فتاة تحت سن ال 18، وأن 81 سيدة لقيت حتفها على يد منظمة داعش الإرهابية من بينهن 5 تم قتلهن رجما بالحجارة، فيما قتلت فصائل مسلحة أخرى 255 سيدة، وقصص مفجعة أخرى حدثت لقرابة ال 200 الف سيدة كورية تم احتجازهن في معسكرات الجيش الياباني لاغتصابهن ومن ثم قتلهن خلال الحرب العالمية، واغتصاب أكثر من مليوني امرأة ألمانية من قبل القوات الروسية إبان سقوط مدينة برلين عام 1945 انتقاما مما فعلته القوات الألمانية في روسيا سابقا، وأكثر من 20 الف امرأة اغتصبت في حرب البلقان عام 1992، وما حدث أيضا عند احتلال اليابانيين لمدينة “نانكينغ” الصينية واغتصاب أكثر من عشرين ألف سيدة ومن ثم تعذيبهن وقتلهن.
بيع النساء وتزويج القاصرات والصغيرات
رصدت منظمات وجمعيات إنسانية حالات كثيرة تم فيها اجبار للاجئات القاصرات على الزواج، إما بالاتفاق مع الأهل بهدف “الستر”، وأما عن طريق جماعات وعصابات منظمة بهدف الأجر، وفي كلا الحالتين يتم الأمر عن طريق سماسرة وتجار وبدون أوراق ومستندات ثبوتية، أي بمعنى أصح، يتم الإتجار بهن بإسم الزواج بينما الحقيقة هي البيع والشراء، وليس بمستهجن لو علم الجميع بأن داعش قد أقامت فعلا سوقا للنخاسة لبيع النساء، ووضع أسعار لهن في بعض الدول التي اشتعلت فيها الحرب الأهلية، كما كان يحدث في العصور الوسطى تماما.
ما هو السبيل لحماية المرأة؟
ان ما تدفعه المرأة من ثمن باهظ في الحروب والنزاعات المسلحة في بلدان كثيرة، والذي قد يتجاوز في كثير من الأحيان ما يدفعه الرجل في الحرب، يجعلنا نتساءل جميعا سؤالا بديهيا، أين قوانين ومنظمات حقوق المرأة من كل هذا؟ لا بد وأنها ضرب من وهم وخيال لا حقيقة فيه، وإلا فأين هو الموقف الحقيقي للأمم المتحدة ومنظماتها الموزعة في أرجاء العالم عن كل تلك الصرخات النسائية التي يدين لها الجبين؟ لا سيما وأن سياسة الاتجار في النساء بالحروب قد تعاظمت إلى الحد الذي تحولت فيه إلى ” بزنز” عالمي، من خلال عصابات وجماعات دولية أنشأت لهذا الغرض، حيث يتم تشغيلهن في البغاء، أو العمالة الظالمة، أو الاسترقاق الجنسي، أو التهريب، وهذا ما كشفت عنه بعض الأجهزة الأمنية في دول عدة مثل لبنان مؤخرا، وفضيحة عصابات الإتجار بالنساء اللواتي تبين بأن معظمهن من السوريات اللاجئات والهاربات من ويلات الحرب، واللاتي يتعرضن يوميا للضرب والإهانة والتعنيف والاغتصاب ومن ثم القتل.