عشرون سنة هائمٌ على وجهي حيث اللاهدف ، لا مفر لا مهرب سوى ذاك الطريق الشائك المفضي إلى حفرة من نار ، لا غير بوصلة الأماني يدفعني ، فإذا إختلت إختللت أنا الآخر معها ، العالم الخارجي يكسوه اللون الأسود ، يكسوه الظلام ليل نهار حيث الشمس كفت عن إرسال أضواء الحرية إلى منبع الجهل والخراب .
ليتني أرى العالم بعين ذلك الطفل الذى لم تتجاوز سنون عمره عدد أنامل إحدى كفيه بعد ، لا يرى في العالم سوى أبيه وأمه ، لم يتخطى مد بصره حدود سور الحديقة الواقعة أمام باحة منزله حيث الأزهار المخملية قد تركت من طيبها أثراً طيباً في نفسه ، يشعر في بيته كأنه ملك العالم أجمع ، لم تختلط روحه بعد بآكلي لحوم البشر ، لم تطحن رحى الحياة روحه بعد ، لما تمنيت أن يتقدم بي العمر عندما كنت ذلك الطفل !
التقاعس عن أداء الواجبات بل واغتصاب الحقوق هي سمة الجميع هنا ، الجميع يسلب حق بعضهم البعض ، فالقوي يسلب الضعيف حقه ، والغني يسلب الفقير حقه ، وكما نكون يُولى علينا ، فرزقنا الله بمن يسلبنا آمالانا وطموحتنا .
خيروني بين البقاء أو الرحيل ، قالوا الحدود تراب فلما البقاء ! ، فاخترت الرحيل .
اتضحت لي كذبتهم المعهودة ، الحدود ليست تراب كما ادعوا مسبقاً ، الحدود تعني ثقافة أخرى ، لغة أخرى ، دين آخر ، عرق آخر ، وربما تأشيرة دخول وتصريح أمن إضافي .
أنامل الظلم هنا تطال الجميع ، لربما طالت هذا الشيخ الأحدب فقضى نحبه خلف قضبان القهر إجحافاً ، أو طالت هذا الشاب اليافع فقضى زهرة عمره جوراً في زنزانة صغيرة غير تلك الكبيرة التي أفنى الغالبية العظمى حياتهم عبثاً فيها .
سأبقى هنا ، أنشد على قيثارة الحزن ، أنظم مقطوعة يملؤها الشجن أو أكتب بقلمي ما يحيي جيلاً فقد الهوية ، فقد الحاضر ، ربما فاقد لمستقبل قريب .
وأنت أيضاً إذا بقيت هنا مضطراً فلا بد أن تعرف أحد الحقائق السرمدية ،
العالم لن يكترث لك ، لا تكترث أنت أيضاً له ، إصنع عالمك الخاص ، مهد طريقك الخاص ، أضئ شمعتك الخاصة ، و إنطلق يا فتى .
إذا لم يُجدي كل هذا ، ربما ألجأ إلى تعاطي الماريجوانا ، “زاهداً فيما سيأتي ، ناسياً ما قد مضى “