مع استمرار تحركات محققين إيطاليين ومعهم النيابة العامة الإيطالية عادت قضية مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني إلى صدارة المشهد، حيث ظن البعض أن الأمور قد هدأت بين الطرفين الإيطالي والمصري، إلا أن طلبا إيطاليا بالاطلاع على كاميرات ” مترو الأنفاق” في مصر حيث كانت آخر مشاهد ريجيني في مصر قد أعاد القضية إلى اهتمامات الإعلام مرة أخرى.
والواضح للمراقبين أن الجانب المصري عزم على تقديم أشكال جديدة من التعاون فيما يخص مقتل ريجيني فوافقت السلطات المصرية على إطلاع الجانب الإيطالي على محتوى الكاميرات كما قدمت فيديو مصورا لما يعتقد أنه حوار دار بينه وبين نقيب الباعة الجائلين محمد عبد الله.
فهل يكون هذا الفيديو آخر ما يمكن تقديمه في هذه القضية من الجانب المصري؟ وماذا وراء بث الفيديو مجتزأً على التلفزيون المصري ومكتملا في الإعلام الإيطالي؟.
فمنذ بث التلفزيون المصري الاثنين الماضي فيديو للباحث الإيطالي جوليو ريجيني، تتصاعد الشكوك والتكهنات بشأن احتمال قرب معرفة الجاني في قضية اختفاء ريجيني داخل القاهرة يوم 25 يناير 2016، قبل العثورعلى جثته خارج العاصمة في فبرايرمن العام نفسه، وبها آثار تعذيب.
نهاية القضية
واعتبر حقوقيان وخبير إعلامي مصريون أن بث الفيديو في مصر “مجتزأ” -بما يوحي بأن ريجيني كان جاسوسا- يعني على ما يبدو أن العام الجاري سيشهد نهاية القضية، لاسيما في ظل بث الفيديو كاملا في إيطاليا التي يتردد في وسائل إعلامها أن أجهزة أمنية مصرية ضالعة في الجريمة، وهو ما تنفيه القاهرة.
وفي الفيديو الذي جرى تسجيله قبل مقتل الباحث الإيطالي، يظهر ريجيني وهو يطلب من نقيب للباعة الجائلين في القاهرة -يدعى محمد عبد الله- طرح أفكار، بينما طلب منه الأخير مالا لإجراء عملية جراحية لزوجته، فرفض الشاب الإيطالي، مشددا على أن المال الذي بحوزته يخص المؤسسة البريطانية التي يعمل معها، دون أن يسميها.
تصوير الشرطة المصرية
وبينما لم يكشف التلفزيون المصري عن مصدر هذا الفيديو الذي قال إن القاهرة سلمته لروما في ديسمبر الماضي، أعلنت النيابة العامة الإيطالية بُعيد بث الفيديو في مصر الاثنين الماضي، أن محققين إيطاليين يعتقدون أن الشرطة المصرية ضالعة في تصويره بمعدات متوفرة لديها، مما يدل على وجود اتفاق بين الشرطة والبائع المتجول الذي أبلغ الأمن عن ريجيني، على حد قولها.
آخر أداة
وأعرب حليم حنيش المحامي المسؤول عن الاختفاء القسري في المفوضية المصرية للحقوق والحريات التي تعمل مستشارة لأسرة ريجيني، عن اعتقاده بأن الفيديو “يقرب من مشهد النهاية في قضية ريجيني”.
واعتبر في حديث لوكالة الأناضول أن “هذا الفيديو هو آخر أدوات السلطة المصرية للدفاع عن نفسها” في مواجهة اتهامات الإعلام الإيطالي.
وقارن حنيش بين بث التلفزيون المصري للفيديو “مجتزأ وخاضعا للمونتاج”، وبين بثه في وسائل الإعلام الإيطالية كاملا.
ورأى أن هذا التدخل بالمونتاج في فيديو التلفزيون المصري يفيد بأن مصر تريد أن تؤيد وجهة نظرها بهذا المقطع الذي جرى بثه لتشويه الباحث الإيطالي، حيث يلمح إلى كونه جاسوسا، في وقت حملت فيه تصريحات سابقة لنقيب الباعة الجائلين محمد عبد الله الاتهام ذاته.
وقال “حنيش” إن الفيديو سيكون ضمن تركيز الجانب الإيطالي في الأيام المقبلة، لاسيما في أوساط الرأي العام، وربما نراهم يقدمون أدلة غير مباشرة تكشف عن قتلة ريجيني.
حقائق جديدة
من جهته قال الباحث المصري الحقوقي أحمد مفرح إن هذا الفيديو “سيثير حقائق جديدة حول نهاية ريجيني”.
وأضاف في حديث للأناضول أن الفيديو سيدفع -فيما يبدو- سلطات التحقيق الإيطالية إلى البحث بشكل أكبر عن القاتل أو الجهة القاتلة وعلاقتها بالأجهزة الأمنية المصرية التي تواجه من آن إلى آخر اتهامات بقتل الشاب الإيطالي، وفق تعبيره.
وتابع أن “الجانب المصري بنشر فيديو خاضع للمونتاج كان يريد إيصال رسالة مفادها أن ريجيني كان جاسوسا.. لكن الفيديو الذي بثته وسائل الإعلام الإيطالية كشف عكس ذلك، وهذا يعطي دلالة واضحة عن تشكك جهات التحقيق الإيطالية من الرواية المصرية حول الجريمة”.
تساؤلات
ووفق أستاذ الإعلام السياسي والرأي العام بجامعة القاهرة صفوت العالم فإن بث الفيديو في الإعلام المصري بعد عام من مقتل ريجيني يثير تساؤلات أكثر مما يقدم إجابات، وقال إن “التدخل الانتقائي في مادة الفيديو يثير شكوكا ستعجل أكثر بمعرفة الحقيقة”.
ورأى الأكاديمي المصري في تصريحات للأناضول أن أي محاولة للحصول على دلائل بالنشر الإعلامي من السهل دحضها، لأن الدليل المرئي هذا ليس دليلا جنائيا مرتبطا بجريمة القتل.. ولا بد من شفافية أكبر”.
الخطوة الأخيرة
كما ذهب أستاذ العلاقات الدولية في جامعة القاهرة طارق فهمي إلى أن الفيديو يمثل الخطوة الأخيرة، وعلى الجانب الإيطالي أن يقتنع بها، لكن يبدو أنه لا يزال -بصورة أو بأخرى- يبدي تحفظات على ما تقدمه مصر، بحسب وصف المتحدث.
وقال فهمي في حديث للأناضول إن مصر قدمت كل ما لديها من معلومات في التعامل مع المطالب الإيطالية، لكن هناك تعنت وتربص في مصر رغم كل الاتصالات واللقاءات التي تمت في القاهرة وروما، وفق تعبيره.
وأضاف الأكاديمي المصري أن القاهرة ليس لديها ما تخفيه في هذا الملف فقد طرحت كل السيناريوهات، لكن الجانب الإيطالي غير مقتنع، مضيفا أنه من مصلحة البلدين تحسين العلاقات.