مر قرن من الزمان على توقيع اتفاقية سايكس بيكو بين سفري بريطانيا وفرنسا لتقسيم تركة الرجل المريض الذي كلن يلفظ انفاسه الأخيرة ولم يعد باستطاعته مواجهة الأخطار التي تحيط به من كل مكان.
لم تكن سايكس بيكو تهدف إلى تقسيم جغرافيا الشرق الأوسط فقط بل كانت تهدف إلى خلق واقع جديد يخدم مصالح الدول الاستعمارية والسيطرة على مقدرات الأمة الإسلامية من أجل منعها من النهضة من جديد.
تعرضت الدولة العثمانية إلى هزيمة نكراء في الحرب العالمية الأولى التي دخلت فيها وهي ليس لها ناقة ولا جمل فيها بل دفعت إلى الحرب دفعاً مع علمها بانها ستكون خاسرة لا محالة في هذه الحرب للضعف الشديد الذي أصاب جسد الدولة العثمانية المنهك والمتعب جراء السياسات التعسفية التي اتخذت من بعض سلاطين بني عثمان أدت إلى غرق الدولة العثمانية بالديون وساد الجهل والتخلف أقطار العالم الإسلامي نتيجة السياسات التهمشية المتبعة من حزي الاتحاد والترقي الذي سيطر على الحكم فعلياً بعد إسقاط السلطان عبد الحميد الثاني.
استطاعت الدول الاستعمارية السيطرة على تركة الرجل المريض لتبدأ في زرع أفكارها وسياساتها في الدول الإسلامية والعربية بما يخدم مصالحها وأول ما بدأت به الدول الاستعمارية ترسيم الحدود الصناعية بين الدول الإسلامية التي لم تكن تعرفها من قبل وعملت على خلق النزاع بين الدول الإسلامية على هذه الحدود الصناعية مشكلة لواء الإسكندرونة بين تركيا وسوريا ومشكلة حلايب وشلاتين بين مصر والسودان وغيرها من المشاكل الحدودية لإلهاء الأمة الإسلامية عن القيام بأي دور في قيادة العالم الحديث.
ومع ترسيم الحدود الصناعية بدأت الدول الاستعمارية ببث الروح القومية بين الشعوب الإسلامية بدلاً من الجامعة الإسلامية التي كانت تجمع المسلمين في أنحاء العالم وعملت على إذكاء هذه الروح بين العرب وغيرهم من المسلمين لزيادة الفرقة بين الدول الإسلامية.
ولم تكتفي الدول الاستعمارية بذلك بل قامت بتأسيس جيوش تعمل على حماية الأنظمة التي قامت بوضعها لخدمة أهدافها ومصالحها في العالم الإسلامي ولتبقي هذه الدول تابعة للاستعمار دون القدرة على رفض أي شيء تفرضه الدول الاستعمارية على العالم الإسلامي.
ومع اشتعال حركات التحرر الوطني في الدول العربية الإسلامية منتصف الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي أدركت الدول الاستعمارية أن الاحتلال العسكري لا يجدي نفعاً بل يعمل على تكريس كل الجهود من أجل التخلص منه بشتى الطرق وبكافة الأساليب وباجتماع جميع الطوائف والجماعات وأدركت أن الاحتلال الفكري والسياسي والاقتصادي هو الأكثر جدوى والأقدر على حفظ مصالح الدول الاستعمارية في العالم الإسلامي.
ووجدت الدول الاستعمارية ضالتها في الجيوش التي قامت بتأسيسها من أجل الحفاظ على مصالحها ومنع أي حركة تحاول تغيير الواقع المفروض من الدول الاستعمارية على العالم الاسلامي ومنع سقوط الأنظمة القمعية التي قامت بصناعتها وفق سياساتها ومصالحها.
لقد أثبت ثورات الربيع العربي بل الأشخاص الموجدين في القصور الرئاسية إنما هم أراجوزات ودمى يتم تحريكها من خلف الستار من قبل الأنظمة التي وضعها الاستعمار في العالم الإسلامي وما ان تشعر هذه الأنظمة بالخطر حتى تتخلى عن واجهاتها المتمثلة بالرؤساء والحكومات من اجل الحفاظ على مصالحها المرتبطة بمصالح الدول الاستعمارية الغربية.
لقد أصبح جلياً لكل إنسان حر وشريف أن التخلص من الأراجوزات لن يكون كافياً من أجل إنجاح الثورات بل عليها التخلص من الأنظمة التي تدير هؤلاء الموجودين في القصور الرئاسية والذين لا يشكلون إلا واجهة لهذه الأنظمة القمعية التي لا تدخر سبيلاً في المحافظة على وجودها وبقائها حتى ولو كان الثمن تدمير البلاد وقتل العباد.