يبدو أن العالم بات عليه اعتياد التراشق وارتفاع نبرات الهجوم المتبادلة بين واشنطن وطهران على مدى الأربعة أعوام القادمة؛ فلم يعد يمر وقت طويل حتى يعلو صوت تهديدٍ أو وعيدٍ من أحد الطرفين تجاه الآخر.
فمنذ تولي الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب شؤون البلاد رسميًا لم يعد يُخفي عبر تصريحاته أن كل الخيارات مطروحة على الطاولة فيما يخص التعامل مع إيران؛ لا سيما ملف الاتفاق النووي بين الطرفين، الذي كثيرًا ما أعلن ترامب أنه اتفاق سيئ ومشين، فيما أعلنت الرئاسة الإيرانية أنه اتفاق مفيد للأطراف كافة.
الإيرانيون يباهون دائمًا بمنصات صواريخ حديثة تقع في مرماها القواعد العسكرية الأمريكية في منطقة الخليج، وكذلك يباهون بشبكة علاقات وتحالفات جعلتهم أكثر قوة من الناحية المحورية؛ وكثيرًا ما أعلنت طهران عن قدرتها على تحهيز قدراتها الدفاعية في لمح البصر للرد على أي عدوان من أي مصدر.
هذه المعطيات الإيرانية دفعت المرشد الإيراني علي خامنئي إلى التأكيد بأن “بلاده لا تخشى تهديدات الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، وأن الشعب الإيراني سيرد على هذه التهديدات خلال مظاهرات الاحتفال بذكرى انتصار الثورة”، كما دفعته إلى التأكيد بأنه لا يمكن لأي عدو شلّ حركة الشعب الإيراني، حسب تعبيره.
فما طبيعة رؤية إيران لما تصفه بتهديدات الرئيس ترامب الموجهة إلى شعبها وخياراتها في الرد عليها؟
تخويف وتهديد
رئيس تحرير وكالة “مهر” الناطقة بالإنجليزية، حميد رضا غلام زاده، رأى أن العلاقة بين طهران وواشنطن ستعتمد بشكل كبير على السياسة التي سيتبعها الرئيس الأمريكي الجديد خلال فترته الرئاسية، مشيرًا إلى أن ترامب أثناء حملته الانتخابية كان يتخذ مواقف عقلانية تجاه إيران، ولكنه خلال الأسبوعين الأخيرين اتخذ مواقف عدائية تجاهها؛ مما يعني أن هناك خلافات بين وزرائه بهذا الشأن.
وبحسب زاده، فإن السياسيين الإيرانيين يعتقدون أن ترامب يحاول أن يخيف طهران ويهددها ليعرف ردة فعلها ويختبر هل يمكن أن يلعب معها على الاستسلام أو يجبرها عليه، معتبرًا أنه حتى الآن لم يتخذ أي سياسي في إيران خطوة إلى الوراء أمام تهديدات ترامب.
إمكانية التفاوض
وردًا على سؤال حول إمكانية التفاوض بين طهران وإدارة ترامب، أجاب: “لقد قالت إيران عدة مرات بأنها لن تتفاوض في مسألة إمكاناتها الصاروخية أو تتوقف عن تجاربها الصاروخية؛ لكن فيما يتعلق بقضايا المنطقة فلا مشكلة عندها من التفاوض بشكل عقلاني للوصول إلى نوع من الحلول العملية”.
واستبعد زاده أن تصل العلاقة بين ترامب وطهران إلى حرب حقيقية؛ لأن إيران قوة إقليمية مهمة في الشرق الأوسط، ولا يمكن لترامب أن يحقق أي شيء في الواقع دون التفاهم معها، على حد قوله.
وسيلة ضغط
أما لاري كورب، كبير الباحثين في مركز التقدم الأمريكي ومساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق، فقال إن “ترامب لا يريد إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، وأعتقد أن هذا التهديد هدفه إجبارها على التفاوض في أمور أخرى تشكل مصدر قلق لإدارة ترامب والكونغرس؛ كتجربة الصواريخ الباليستية، ودور إيران في زعزعة الاستقرار بالشرق الأوسط عبر دعم حزب الله والحوثيين والرئيس بشار الأسد والمليشيات الشيعية في العراق”.
وأشار كورب في تصريحات تلفزيونية إلى أن المجتمع الدولي هو الذي رفع العقوبات عن طهران عند توقيع الاتفاق النووي، أما الولايات المتحدة فقد أبقت العقوبات عليها لدعمها المجموعات الإرهابية، والعقوبات التي فرضها ترامب تخص الأشخاص المرتبطين بالبرنامج الصاروخي الإيراني.
ومضى قائلًا: “إذا واصلت إيران برنامجها الصاروخي العدائي فبإمكان أمريكا أن تعطل أي اتفاقات تجارية بين إيران والصين وروسيا وأوروبا؛ لأنها تملك نفوذًا كبيرًا على الكثير من المصارف حول العالم”.
في المقابل، حسبما يؤكد كورب، فإن التزام إيران بالاتفاق النووي سيقود الولايات المتحدة إلى التعاون معها في الكثير من المجالات؛ مثل الحرب على تنظيم الدولة والاتفاق على وقف إطلاق النار في سوريا، وكذلك بإمكان إيران أن تلعب دورًا مهمًا في فرض الاستقرار بالعراق وأفغانستان، وهذا التعاون سيساهم في تعزيز الاقتصاد الإيراني.