في سابقة أولى من نوعها، وهي مشاركة تنظيم مصنَّفٍ “إرهابيًا” في عزاء مدنيين، وفي خطوة تبرز تطور أهداف “ولاية سيناء”، وزّع جنودٌ من التنظيم منشورات تعزية على الأهالي في وسط مدينة العريش، في ظل التواجد الأمني بالمدينة؛ في خطوة تشير إلى سعي التنظيم إلى كسب حاضنة شعبية له، وفي محاولة لاستغلال التوترات بين السيناوية والجيش والشرطة على خلفية مقتل عشرة أشخاص من قبل قوات الأمن بحجة أنهم نفذوا عمليات إرهابية ضد كمائن شرطية، ووزع التنظيم “بيان تعزية”، متوعدًا بالعمل على الثأر لهم.
وأعلنت وزارة الداخلية يوم 13 يناير الماضي أن قوات الشرطة قتلت عشرة من عناصر “جماعة أنصار بيت المقدس” داخل أحد الشاليهات في مدينة العريش، متهمة إياهم بتنفيذ هجمات ضد قوات الأمن، أحدثها الهجوم على كمين المطافئ بداية الشهر نفسه، وتبين أن بينهم ستة شبان من أبناء عائلات بالعريش كانوا محتجزين لدى الشرطة قبل ثلاثة أشهر من مقتلهم، وتم احتجازهم دون توجيه أي اتهامات لهم أو صدور أحكام بحقهم، بحسب ذويهم.
توزيع سلع غذائية
بيان التعزية لم يكن المحاولة الأولى لتنظيم “ولاية سيناء” من أجل كسب ود السيناوية؛ حيث سبق ووزع سلعًا غذائية على بعض المواطنين هناك، إضافة إلى تأكيده على حماية الأهالي من انتهاكات قوات الأمن، ودائمًا ما يحذّر سكان العريش من الاقتراب من المقرات العسكرية أو كمائن الأمن؛ ليكونوا في مأمن من العمليات الإرهابية التي ينفذها.
تجول مسلحو “ولاية سيناء” بسيارات دفع رباعي بشمال شبه جزيرة سيناء في أرجاء قرى جنوب الشيخ زويد ورفح وغيرهما، وتمكنوا سابقًا من الوصول إلى أبراج مراقبة للجيش المصري ورفع رايتهم السوداء عليها؛ كل هذا وأكثر من المشاهِد يراها أهالي سيناء ليتأكدوا أن المسلحين يريدون بذلك تحدي الجيش المصري.
انتهاكات الجيش تفتح مجال الود
وقال حسن أبو هنية، المتخصص في شؤون الجماعات المسلحة، في تصريح لـ”رصد”، إن تنظيم ولاية سيناء يحاول كسب الود واستغلال انتهاكات الجيش في حق المدنيين لصالحه؛ فعلى الأقل يفوز بأرضية نبذ أي أفكار لدى الأهالي تنبذ وجود داعش في سيناء؛ بل تكون وسيلة انتقام للأهالي من الشرطة أو الجيش.
وأضاف أبو هنية أن قوات الجيش والشرطة انتهجت سياسة القضاء على كل مشتبه به، وتفاخرت بعملياتها العسكرية التي كانت في الغالب ضد المدنيين، ونشرت على الملأ جثثًا لمواطنين سمتهم “الإرهابيين”؛ حتى زاد الأمر سوءًا وقُتل مدنيون لا علاقة لهم بالتنظيم من بعيد أو من قريب، ويتم تصنيفهم “إرهابيين”، وأمام تزايد الغضب الشعبي من قبل أهالي سيناء بسبب سياسات الداخلية؛ تحول هذا الغضب إلى حاضنة شعبية للمسلحين لدى بعض من أهالي سيناء.
سياسة القمع
وقال أحمد مفرح، مسؤول الملف المصري في منظمة “الكرامة” لحقوق الإنسان، إن تنظيم ولاية سيناء يحاول بشكل مستمر خلق حاضنة شعبية له في سيناء؛ مستغلًا انتهاكات الجيش بحق أهالي سيناء ومحاولًا جذبهم إليه.
وأضاف أن سياسة اغتيال المعارضين أو المشتبه بهم ترتكب بشكل ممنهج من قبل قوات الجيش والشرطة في شمال سيناء منذ سبتمبر 2013، مُضيفًا أن ذلك أودى بحياة أكثر من 800 مواطن و”أوجد حاضنة شعبية للعمليات المسلحة ضد الشرطة والجيش، ثم انتقلت إلى باقي المحافظات منذ بداية العام الجاري”.
وتابع مفرح: “الداخلية تسعى من وراء زيادة هذه العمليات إلى تأجيج الوضع الداخلي في باقي المحافظات، وخلق مناخ مشابه للأوضاع في شمال سيناء؛ ما سيؤثر بشكل كبير على السلم المجتمعي ويزيد من انتشار العنف وشريعة الغاب”.
حاضنة شعبية
ويعد التعامل الأمني مع شمال سيناء أحد الأسباب الرئيسة في جعلها بؤرة مشتعلة، وفق الناشط السيناوي حسام الشوربجي، الذي انتقد تعامل الدولة مع شمال سيناء كمنطقة أمنية دون الالتفات إلى وسائل أخرى.
وقال الشوربجي إن “عمليات الاعتقال العشوائي، والتهجير المستمر، والهدم والتدمير للمتاع والممتلكات؛ تذكي حالة الاحتقان الشعبي وتجعله حاضنة شعبية لهذه الجماعات المسلحة، ناهيك عن نعت أهل سيناء بالعملاء واليهود والنظرة الرسمية والإعلامية المشككة في انتمائهم ووطنيتهم”.
ورَهَنَ تراجع العمليات المسلحة بـ”تغيير تعامل الجيش مع أهالي سيناء، والعمل على تنمية المنطقة، والحفاظ على الأرواح والممتلكات، واحترام خصوصيات الناس”، مؤكدًا أن “العملية العسكرية أخفقت في تحقيق أهدافها؛ لأن أي عمل عسكري لا يرافقه عملية تنمية واسعة محكومٌ عليه بالفشل”.
وتوقع الشوربجي أن تستمر وتيرة الهجمات المسلحة “ما لم يتغير الأسلوب الأمني البحت؛ خاصة أن بعض الأفراد العاديين الموتورين انضموا إلى الجماعات المسلحة رغبة في الانتقام من قوات الأمن والتشفي منهم”.