قال حقوقيون إن التعديلات التي أجرتها وزارة الداخلية مؤخرًا على لائحة السجون مُخالِفة لمواثيق حقوق الإنسان، وإنها تعد بمثابة القتل البطيء للسجناء؛ سواء بحرمانهم من الزيارة ومنع الأدوية عن المرضى منهم أو من خلال الحبس الانفرادي وإجازة استعمال العنف ضدهم وصولًا إلى إطلاق الخرطوش.
وأكدوا أنه سيتم الطعن على هذه التعديلات أمام القضاء؛ لأن هناك مخالفة واضحة في هذه التعديلات لا يمكن السكوت عليها، مبدين تفاؤلًا من موقف القضاء المصري، خاصة قضاة مجلس الدولة الذين سيرفضون هذا الظلم الذي سيقع على السجناء ومحاولات تقنين الممارسات العنيفة من جانب الداخلية ضد السجناء بهدف حماية رجالها.
من جانبه، اعتبر مختار منير، المحامي والناشط الحقوقي، أن التعديلات الأخيرة على لائحة السجون بمثابة أداة ومحاولة جديدة للإجهاز على السجناء والموت البطيء لهم؛ لما تحمله من تعسف شديد وإجراء تعديلات مناهضة لحقوق الإنسان وللقوانين والأعراف التي أقرتها المنظمات الحقوقية كافة، بحسب ما قال.
وأوضح “منير” أن هذه التعديلات تهدف إلى تقنين هذه الممارسات؛ لأنها تُمارَس في الواقع، وعندما جرى الاحتجاج عليها كان هناك تخوف من الداخلية على من يقومون بهذه الممارسات؛ فكانت هذه التعديلات لحمايتهم.
وأضاف “منير”، في تصريحات خاصة لـ”رصد”، أنه “لا يمكن بأيّ حال من الأحوال قبول مثل هذه التعديلات التي تجيز حبس السجين حبسًا انفراديًا لفترات طويلة وتحرمه من الزيارة ومن رؤية أهله في محاولة لقتله بالبطيء؛ لأن -ببساطة- السجين المريض مثلًا كيف يتم توصيل الأدوية إليه في ظل حرمانه منها داخل السجن، فضلًا عن تعقيد زيارة مجلس حقوق الإنسان للسجون”، مؤكدًا أن هذا يأتي في إطار التغطية والتعتيم على هذه الممارسات في السجون.
وتابع: “الأخطر هو تقنيين استعمال العنف ضد السجناء وصولًا إلى إطلاق الخرطوش، وهذا معناه استهداف مباشر للسجناء؛ كل هذا يعد تقنينًا للجرائم وقتلًا للسجناء، بصرف عن النظر عن الأسباب الواردة في تطبيق هذه العقوبات”.
وحول موقف المنظمات الحقوقية من هذه التعديلات، أكد منير أنه سيتم رفع عدد من الدعاوى القضائية ضد هذه التعديلات للطعن عليها وإلغائها؛ لأنه لا يمكن قبولها بأي حال من الأحوال والتسليم بها، لأن هذا معناه ببساطة الموافقة على قتل السجناء، مبديًا تفاؤلًا تجاه موقف القضاء، خاصة قضاة مجلس الدولة الذين سيرفضون هذه التعديلات؛ لأنهم سيجدون فيها تجاوزًا كبيرًا ضد المواطنين، خاصة السجناء؛ وبالتأكيد لن يسمح ضمير أي قاضٍ بالموت والقتل للسجناء باستغلال التقنين لهذه الجرائم، وفقًا لما قاله.
من جهته، قال جورج إسحاق، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، إن “المجلس تقدم بعدد من التوصيات إلى وزارة الداخلية بشأن السجون وأوضاع المساجين، ولكنها لم تُطبق حتى الآن”، مشيرًا إلى أنه قبل صدور تعديلات جديدة يجب الأخذ بما هو مقدّم من مقترحات من قِبَل المجلس القومي حول أوضاع السجون.
وناشد “إسحاق”، في تصريحات صحفية، وزارة الداخلية بتطبيق اللوائح المنصوص عليها قبل السعي إلى إجراء تعديلات.
وعقّب ناصر أمين، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، في تصريحات صحفية، على التعديلات الجديدة قائلًا: “لم يبق لوزارة الداخلية إلا أن تمنع الزيارات الداخلية، ثم تصدر قرارًا بإلغاء بند الزيارة نهائيًا، وأن يتم السماح للأهالي بزيارة ذويهم في وقت استثنائي تحدده الوزارة فقط”.
وذهب إلى أن هذه التعديلات تعد مخالفة لقوانين حقوق الإنسان في العالم ومواثيقها ومبادئها، والتي نصت على زيارات المساجين وأوضاعهم الداخلية.
وأصدرت وزارة الداخلية مؤخرًا عدة تعديلات على لائحة السجون تضمنت عدة مواد؛ أبرزها عقوبة الحبس الانفرادي، وتأتي ضمن تعديل المادة 82 من اللائحة؛ بحيث يكون من حق السجن توقيع عقوبة الوضع بغرفة خاصة شديدة الحراسة على المسجون تتوافر فيها الشروط الصحية لمدة لا تزيد على ستة أشهر، بعدما كانت 15 يومًا فقط.
وأكد التعديل أن توقيع هذه العقوبة يكون بقرار من مساعد الوزير لقطاع مصلحة السجون، بناءً على طلب مأمور السجن، وبعد أخذ رأي طبيب السجن، وتحرير أقوال المسجون وتحقيق دفاعه وشهادة الشهود.
ومن الحالات التي يجوز فيها تطبيق هذه العقوبة على المساجين إحراز أشياء يحتمل حصول أذى منها للغير أو لأمن السجن، وإشعال النار داخل غرف السجن، وإتلاف شيء من محتويات السجن، وارتكاب أي أفعال من شأنها الإخلال بأمن السجن.
وكانت هذه المادة قبل التعديل تؤكد وجود ما يسمى “فرقة التأديب المخصوصة”، وهي غرفة كان يقتصر وجودها على الليمانات فقط وليس كل السجون، أما بعد التعديل فقد تغير الاسم ليكون “الغرف شديدة الحراسة”، كما أنه طبقًا للتعديل لم يعد وجود هذه الغرفة قاصرًا على الليمانات التي يودع فيها المحكومون بأحكام مشددة، وهو ما يعني السماح بالحبس الانفرادي في كل السجون لمدة ستة أشهر بدلًا من 15 يومًا فقط في السجون شديدة الحراسة كما كان الوضع سابقًا.
وبخصوص زيارة المجلس القومي لحقوق الإنسان، نص التعديل على أن تكون بإذن مسبق؛ حيث سمح التعديل الجديد لأعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان بزيارة السجون وتفقد مرافقها وتلقي شكاوى المسجونين طبقًا لأحكام المادة 73 من قانون تنظيم السجون ولكن بشروط، ومن هذه الشروط الحصول على إذن مسبق من النائب العام، محدَّدًا به السجن المصرح بزيارته وأسماء الزائرين من الأعضاء، بالإضافة إلى تقديم التسهيلات اللازمة لتنفيذ هذه الزيارات، وذلك في المواعيد التي تحددها إدارة السجن وخلال فترات العمل الرسمية.
وشمل التعديل الذي أقره وزير الداخلية إعطاء الحق لإدارة السجن بمنع الزيارة عن المسجونين مطلقًا، وذلك مع مراعاة الأحكام الواردة بالمادة 42 من قانون تنظيم السجون، التي تجيز منع الزيارة مطلقًا أو مقيدًا، بالنسبة إلى الظروف في أوقات معينة لأسباب صحية أو متعلقة بالأمن.
وبالنسبة إلى إجازة استعمال القوة، أعطى “عبدالغفار” لرجال الداخلية الحق في استخدام القوة ضد المسجونين طبقًا للتعديلات التي أقرها، وشملت محددات استعمال القوة مع المسجونين دون الإخلال بحق الدفاع الشرعي.
ومن العقوبات التي تضمنها التعديل توجيه الإنذارات الشفوية المسموعة من مأمور السجن أو أقدم ضابط عامل في السجن، ثم استخدام خراطيم المياه، فاستخدام الغاز المسيل للدموع، ثم استخدام الهراوات البلاستيكية، وأخيرًا إطلاق الخرطوش. ويعد هذا هو التعديل الثاني للائحة في أقل من ثلاث سنوات؛ حيث عُدلت لائحة السجون في عام 2014، كما عدّل عبدالفتاح السيسي قانون السجون بقرار جمهوري في 2015 قبل تشكيل مجلس النواب.