لم تتوقف مصر عن استخدام أدوات الدين العام (المباشر والأذونات والسندات) خلال السنوات التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011، وارتفعت وتيرتها في أعقاب الإعلان عن تعويم الجنيه في الثالث من نوفمبر الماضي وموافقة صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 12 مليار دولار.
وبلغ نصيب الفرد من الدين الخارجي في مصر 618.2 دولارًا في سبتمبر 2016، مقابل 434.3 دولارًا في نفس الشهر من العام 2015؛ بزيادة قدرها نحو 42%، وفقًا للبنك المركزي المصري.
وقفز الدين الخارجي لمصر إلى 60.152 مليار دولار في سبتمبر 2016، وهو أعلى مستوى خلال ربع قرن، مقابل 46.148 مليار دولار في نفس الشهر من العام 2015؛ بزيادة قدرها 14 مليار دولار، حسب بيانات المركزي المصري.
ورغم دعوة عبدالفتاح السيسي إلى الحد من الاستدانة؛ إلا أن بلاده اقترضت نحو 15 مليار دولار خلال الشهور الأربعة الماضية؛ حيث تضمن الدين الخارجي لمصر خلال الشهور الأربعة الماضية إصدار سندات بقيمة ثمانية مليارات دولار على مرحلتين ببورصة لوكمسبورج وأيرلندا، و2.75 مليار دولار قيمة الشريحة الأولى من قرض صندوق النقد الدولي البالغ 12 مليار دولار على ثلاث سنوات، حال نجاحها في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي.
وحصلت مصر على ما يعادل 2.75 مليار دولار من الصين في إطار اتفاق لمبادلة العملة، وعلى 1.5 مليار دولار، بواقع مليار دولار من البنك الدولي كشريحة ثانية في إطار برنامج دعم التنمية في مصر ونصف مليار دولار من البنك الإفريقي للتنمية.
ويقول المسؤولون إن الهدف من القروض الخارجية يأتي في إطار تنويع مصادر تمويل عجز الموازنة وتخفيف الضغوط على مصادر التمويل المحلية وخفض تكلفة خدمة الدين العام وفاتورتها، وكذلك المساهمة في إنعاش النشاط الاقتصادي؛ حيث اعتبر المسؤولون في تصريحاتهم أن نجاح بلادهم في طرح سندات دولية مؤخرًا بمثابة تصويت بالثقة في أداء الاقتصاد وأهمية الاستمرار في تنفيذ الإصلاح الاقتصادي.
بينما يرى مراقبون أن موارد مصر لن تتيح لها القدرة على تسديد أعباء الدين الخارجي (فوائد وأقساط) لعدم استخدامه في مجالات مولدة للدخل.
وتكشف بيانات البنك المركزي المصري أن إجمالي أعباء خدمة الدين بلغت 2.458 مليار دولار في ثلاثة أشهر (من يونيو إلى سبتمبر) من عام 2016.
وتوقع صندوق النقد الدولي مؤخرًا أن يرتفع الدين الخارجي لمصر إلى 102.4 مليار دولار في نهاية العام المالي 2020-2021.
وقدر الصندوق أن تصل خدمة الدين الخارجي لمصر إجمالًا نحو 20.3 مليار دولار في الفترة بين العام المالي 2016-2017 وحتى العام المالي 2020-2021.
ويبدأ العام المالي في مصر مطلع يوليو وحتى نهاية يونيو من العام التالي، وفق قانون الموازنة المصرية.
ووصف أستاذ التمويل مدحت نافع معدلات نمو الدين الخارجي لمصر بأنها غير مسبوقة، وتتطلب البحث عن بدائل -لم يحددها- لسداد هذا الدين دون تحميل الأجيال القادمة مزيدًا من الأعباء، مشيرًا إلى أن قدرة مصر على الاقتراض من الخارج لا تصلح أن تكون مقياسًا لزيادة الدين الخارجي، مشددًا على ضرورة وجود خطة لضمان قدرة البلاد على السداد.
وحذر “نافع” من خطورة “عدم استقرار الموارد الدولارية، والتباطؤ الاقتصادي العالمي؛ مما يضع مزيدًا من الضغوط على قدرة مصر لسداد الدين الخارجي.
وأشار إلى أن ارتفاع حجم الدين الخارجي يلقي بظلاله على احتياطي النقد الأجنبي، واحتمال مواجهة صدمات لتلبية احتياجات البلاد من السلع الأساسية، في حال عدم تلبية البنوك احتياجات الاستيراد.
وبحسب المركزي المصري، تمثل الديون قصيرة الأجل في الدين الخارجي ثمانية مليارات دولار؛ لتشكل 30% من صافي الاحتياطي الأجنبي المصري الذي بلغ 26 مليار دولار نهاية الشهر الماضي.
ويرى المحلل الاقتصادي محمد صفوت أن الدين الخارجي لمصر ما يزال في الحدود الآمنة، ويمثل حاليًا 16.3% من الناتج المحلي الإجمالي؛ ولكن يحمل عديدًا من المخاطر، موضحًا أن استخدام الدين الخارجي في الإنفاق الجاري لسد عجز الموازنة دون الإنفاق الاستثماري عبر تحسين البنية التحتية ودعم الاستثمارات المحلية والأجنبية لتشجيع الإحلال محل الواردات بجانب تشجيع السياحة سيجعل البلاد تدور في حلقة مفرغة دون جدوى.
وأضاف أن عدم توجيه مصادر الدين الخارجي لمصادر مولدة للدخل سيصعب موقف مصر في سداد الأعباء ويضعها أمام اختيار أشد صعوبة من الوضع الحالي.
ويقول إن تخلف مصر عن سداد الأعباء، حال حدوثه، سيؤثر على الجدارة الائتمانية وسيجعلها تعود بقوة إلى الاستدانة من السوق المحلية؛ وهو ما سيخلق أزمة سيولة حقيقية قد لا يبرأ منها الاقتصاد في الأجل القصير أو المتوسط على أقرب تقدير.
وبلغ إجمالي الدين العام المحلي في مصر 2.758 تريليون جنيه (153 مليار دولار)، بما يعادل 85% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية الربع الأول من العام المالي الجاري 2016-2017.