على الرغم من شيوع استخدام مصطلح الإرهاب على نطاق واسع، إلا أنه لا يوجد تعريف متفق عليه لهذا المفهوم سواء على المستوى الدولي أو المستوى العلمي، ويعود هذا إلى اختلاف العوامل الأيديولوجية المتصلة بهذا المصطلح إضافة إلى اختلاف البنى الثقافية والفكرية. وهذه الظاهرة ليست حديثة، ولكن لها جذور قديمة. وتختلف أسباب العمل الإرهابي ودوافعه باختلاف نوع العمل وممَّن صدر (فرد أو جماعة أو دولة)؛ وتأتي هذه الأسباب والدوافع متعددة ومتباينة، ويمكن تقسيم هذه الدوافع والأسباب إلى: دوافع شخصيَّة، وأخرى مجتمعيَّة.
أولا: الدوافع الشخصية:
تتنوع الدوافع الشخصية التي تدفع الإرهابي إلى ارتكاب جريمته لتحقيق هدف شخصي، أو بسبب عامل يتعلق بشخصيته، وهذه الدوافع هي دوافع نفسية، وسياسية، وإعلامية. 1- الدوافع النفسية: فالبناء السيكولوجي للفرد يلعب دورًا مهمًّا في تفاعله مع مجتمعه، وقد أظهرت الدراسات ذات الصلة أن النمو الجسمي والعقلي والانفعالي المضطرب والبيئة الاجتماعية غير السليمة لها علاقة مباشرة بالعمل الإرهابي، كما ترى بعض الدراسات أن القائمين بالعمل الإرهابي تجمع بينهم خصائص متماثلة، كالطفولة المضطربة، والانطواء على النفس، والعلاقات المضطربة في الأسرة خاصة مع الوالدين، والانقطاع عن الأصدقاء.
2- الدوافع السياسية:
ففي كثير من الأحيان يكون دافع العمل الإرهابي سياسيًّا، للفت نظر الجهة المستهدفة من هذا العمل، وفي الغالب تأتي الدوافع السياسية لأسباب، منها: ما تمارسه بعض الأنظمة ضد مواطنيها؛ من فرض سياسات غير عادلة، وتهميش المواطن، وانتهاك حقوقه وحرياته، بما يشعره بالكبت والقهر السياسي، وأنه مُهمل لا دور له. كما أن الرغبة في حق تقرير المصير للشعب المحتل، قد يدفع الأفراد لعمل بعض الأعمال الإرهابية (المقاومة) لتخليص الوطن من المحتل الأجنبي، الذي يمارس الاضطهاد والقهر.
3- الدوافع الإعلامية:
نتيجة للتطور التكنولوجي في وسائل الاتصال، والتواصل الاجتماعي، في نشر الأخبار والوقائع فور حدوثها، نجد أن من دوافع العمل الإرهابي لفت أنظار الرأي العام العالمي إلى قضية من القضايا، لجذب الانتباه لإيجاد نوع من التعاطف مع القائم بالفعل الإرهابي، ووسائل الإعلام هي الوسيلة الوحيدة التي بواسطتها يستطيع الإرهابيون طرح شروطهم ومطالبهم وآرائهم وشرح قضاياهم. وهذا ما قام به بن لادن والظواهري في تنظيم القاعدة، وأبو بكر البغدادي في تنظيم الدولة الإسلامية أخيرًا، وغيرهم. بل تطور الأمر إلى إنشاء قنوات فضائية، ومواقع إلكترونية باستخدام أحدث أدوات التكنولوجيا في التصوير، كما حدث في إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقًا، وإعدام مجموعة من المصريين في ليبيا ذبحًا. إضافة إلى ذلك، فإن الإعلام من خلال نقله للأحداث يُسهم في إظهار بعض الإرهابيين بمظهر الأبطال؛ مما يدفع إلى تقليدهم والسير على طريقتهم، وهذا ما حدث أيضًا من تحمُّس الآلاف من الشباب للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” لرؤيتهم من خلال الإعلام أنهم يحققون مكاسب على الأرض، ناهيك عن الظلم الواقع عليهم من أنظمتهم المستبدة. ثانيًا: الدوافع المُجتمعية: وهي الدوافع التي يكون للمجتمع الذي يعيش فيه مرتكِب العمل الإرهابي دور كبير في دفعه إلى الإرهاب، ويمكن تقسيم هذه الدوافع إلى: دوافع اقتصادية، ودوافع اجتماعية، ودوافع تاريخية، ودوافع إثنية، ودوافع أيديولوجية. 1- الدوافع الاقتصادية: فالحاجة والفقر والعوز الاقتصادي، قد يكون له آثار سلبية على البناء المجتمعي، بما يولِّد سلوكًا عدائيًّا ضد المجتمع الذي يعيش فيه الفرد، ومن أبرز هذه المشاكل: التخلف الناتج عن السياسات الاقتصادية غير الملائمة للواقع الاجتماعي للدولة، بحيث تتكون فجوة تتسع تدريجيًّا بين الفقراء والأغنياء، وسوء توزيع الثروة والموارد اللازمة للتنمية وتوفير الحاجات الأساسية للناس؛ مما يفرز خللاً في العدالة الاجتماعية، وظلمًا لقطاعات كبيرة من السكان، وهذا يؤدي إلى خلق حالة من النقمة والغضب على فئات من المجتمع، قد يصحبه ردَّة فعل بارتكاب عمل إرهابي معين. 2- الدوافع الاجتماعية: فالأسرة المفككة التي يسودها الجهل والمشاكل الأسرية، تؤدي إلى ضعف الرقابة على الأبناء، وتترك آثارًا سلبية في نفوسهم، وبالتالي تسهم في انحرافهم، واستغلالهم من قِبل بعض المجموعات الإرهابية، كما يُسهم ضعف دور المدرسة في التربية والتنشئة السليمة، وافتقاد لغة الحوار والتفاهم، إلى ممارسات خارجة عن النظام والتقاليد الاجتماعية. وسوء التخطيط، وانتشار المساكن والأحياء الشعبية، وعدم توفر الحد الأدنى للمعيشة، يدفع الشباب إلى الشعور بالقهر الاجتماعي، ومن ثمَّ يدفعهم إلى الانحراف وارتكاب الأعمال الإرهابية. 3- الدوافع التاريخية: قد تُتخذ الحوادث التاريخية التي حدثت في فترة زمنية بعيدة سببًا من الأسباب الدافعة لارتكاب العمل الإرهابي، ومن الأمثلة على ذلك الأعمال الإرهابية التي قام بها جيش التحرير الأرميني ضد تركيا، انتقامًا للمذابح التي حدثت للأرمن إبَّان العهد العثماني، وكذلك ما قامت به إسرائيل من أعمال إرهابية ضد القادة الألمان في العهد النازي، وتتبعهم أينما كانوا واختطافهم ومحاكمتهم لادعائها باضطهاد النازيين لليهود، ومن الأمثلة على ذلك اختطاف “أدولف أتو إيخمان” عام 1960 من قِبل عملاء الاستخبارات الإسرائيلية “الموساد” ونقله من الأرجنتين إلى القدس حيث جرت محاكمته وإعدامه هناك.
4- الدوافع الإثنية:
فحينما تسيطر النزعة العِرقية على السلطة الحاكمة، وتمارس التمييز العنصري ضد شعبها، وخصوصًا إذا كان متنوع الأعراق، تلجأ بعض الجماعات إلى ممارسة العنف والإرهاب ضد الجماعة الأخرى الأقل قوة بهدف إخراجهم من ديارهم. كما حصل في البوسنة والهرسك وكوسوفا من قِبل الصرب، وكما حصل في جنوب إفريقيا من تمييز عنصري من قِبل الحزب الوطني الذي تسلَّم السلطة عام 1948، ومارس سياسة التمييز العنصري، والتي مفادها أن على كل مجموعة عِرقية من المجموعتين الرئيستين في البلاد أن تتطور مستقلة عن الأخرى، وفقًا للإمكانيات والخصائص التي تتمتع بها وفي مناطق جغرافية منفصلة بعضها عن بعض؛ فالأقلية البيضاء حاولت الاحتفاظ بالامتيازات التي تسمح لها بالتطور والنمو مما أدى إلى تفاوت شاسع في الحالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بين المجموعتين.
5- الدوافع الأيديولوجية:
قد يدفع التعصب لمبدأ فكري أو ديني إلى اللجوء إلى استعمال العنف وممارسة الإرهاب من قِبل فئة معينة تحاول فرض مبادئها التي تؤمن بها على المجتمع الذي تعيش فيه، وربما تسعى تلك الفئة إلى محاولة الوصول إلى السلطة لتسهيل نشر تلك المبادئ وتطبيقها، ومن أمثلة ذلك: الصراع بين الرأسمالية والاشتراكية، والصراع بين البروتستانت والكاثوليك لأسباب دينية، وبين الهندوس والمسلمين في الهند، كما يتمثل ذلك في تبني بعض الجماعات التي يُطلق عليها أحيانًا الجماعات الأصولية رفض الثقافات والحضارات الأخرى، ومقاومة الاتصال الثقافي بين الحضارات المختلفة.