كشف الكاتب الصحفي فهمي هويدي عن حالة الهرج التي يعمل من خلالها النظام على إسكات أي صوت خيري أو حزبي أو مدني في خدمة المجتمع، تحت الزعم بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما تلجأ إليه السلطات بعد 2013، وانتهى بخلط الأوراق ووضع الجميع فى سلة واحدة صار الإرهاب عنوانا لها، ولم يقف الأمر عند حد شيطنة الجميع وشن حرب الإبادة عليهم، وإنما وصل الحال أن صار التدين شبهة فى بلد الأزهر، وصار الدين ذاته هدفا للتجريح وموضوعا للازدراء من جانب البعض، بحسب ما قاله “هويدي”
وقال “هويدي”، خلال مقاله بصحيفة “الشروق” في عددها المنشور صباح اليوم الثلاثاء: “إن دعوات الازدراء تكون مرة بدعوى تجديد الخطاب الديني الذي تحمس له الخصوم الذين لا يرجون لله وقارا، فتصدوا للافتاء فيه بكل جرأة، ومرة أخرى بدعوى إلغاء الديانة من الهوية أو حظر تدريس الدين في المدارس بحجة أنه يفرق بين المسلمين والأقباط، ومرة ثالثة عبر المطالبة بحذف أسماء رموز وأعلام الحضارة الإسلامية من مناهج التعليم واستبدالهم بعظماء الفراعنة ونوابغ المصريين، ومرة رابعة من خلال الدعوة إلى “تطهير” مناهج التعليم من بعض البطولات التاريخية والآيات القرآنية التى قيل إنها تشجع على التطرف والإرهاب”.
وأشار إلى أن أحد المثقفين تساءل: “هل يمكن الثقة فيمن لا يؤمن بالدولة القومية ويعتبرها كفرا وخروجا عن الإسلام فى العملية السياسية؟”، معلقا بقوله: “وهو سؤال يعبر عن بعد آخر للشيطنة لا يجرح الهوية الدينية فقط وإنما يجرح الهوية الوطنية أيضا. ولا يرى في العقل الإسلامي سوى التكفير والقتل وإنكار الانتماء الوطني لصالح التعلق بحلم الخلافة الكبرى، إلى غير ذلك من الصور النمطية التي جرى الترويج لها، وحولت الاستثناء إلى قاعدة والشذوذ إلى قيم وأعراف مستقرة”.
وأكد “هويدي” أن “أخطر وأسوأ ما ابتلينا به فى مصر أن الخلاف السياسى أصبح صراعا على الوجود، إذ أفسد ما بيننا، بحيث صار مبررا لإبادة الآخر وإلغائه من خرائط الواقع. وتلك مذبحة سياسية عبثية، خصوصا إذا استهدفت حملة الإبادة أفكارا لها جذورها ضاربة الأعماق في الضمير الديني، ذلك أن الإبادة فى هذه الحالة تكرر أسطورة طائر الفينيق عند الإغريق، الذى كلما احترق انبعث من رماده حيا من جديد”.
وأعرب “هويدي” عن سخريته أن نجد أنفسنا ذات يوم نلجأ لشهادة مستشار الأمن القومي الأمريكي في الدعوة إلى الفرز والتمييز بين فصائل وجماعات العمل الإسلامي، قائلا: “بعدما أطلق الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب حملته الشعواء ضد ما أسماه «الإسلام الراديكالي» في تعميم جهول، وهلل له بعضنا وصفقوا، فوجئنا بمستشار الأمن القومي الجديد الجنرال هاربد ماكمستر يعترض على المصطلح بدعوى أن استخدامه لا يخدم مكافحة الإرهاب، ونقلت عنه صحيفة نيويورك تايمز فيما نشرته الصحف المصرية أمس الاثنين (٢٧/٢) قوله إن الذين يرتكبون الأعمال الإرهابية يشوهون الدين الإسلامي”.
وتابع “هويدي” مقاله قائلا: “إذا كان مستشار الأمن القومي الأميركي قد صوب حماقة رئيسه ورعونته، فلا أعرف كيف يمكن أن نفعلها في مصر، بحيث نميز بين الذين تثبت التحقيقات النزيهة -وأضع عشرة خطوط تحت الكلمة الأخيرة- أنهم تورطوا فى العنف وبين غيرهم ممن سحقهم القطار المندفع الذي تعطلت كوابحه، وللعلم فإن الفرز المطلوب لا يراد به فقط رفع الظلم عن البعض -رغم أهمية ذلك- كما لا يراد به فقط التفرقة بين ما هو سياسي مثير للجدل وما هو خيري ينفع الناس ويخدم المجتمع، ولكن ينبغي أن ننتبه إلى أن الفراغ الناشئ عن حملة الإبادة هو هدية مجانية لتمدد التطرف والإرهاب”.