رغم التطبيع والخنوع اللذين أمرهما بهما الجيشان المصري والأردني لصالح الكيان الصهيوني؛ إلا أن الجنديين سليمان خاطر وأحمد الدقاسمة مثالان للتمرد ضد هذين الجيشين اللذين اتبعا سياسة الانحناء أمام الاحتلال.
مؤخرًا، انتهت مدة الحكم بالسجن على أحمد الدقامسة، الجندي الأردني الذي حُكم عليه بالسجن المؤبد بعد قتله سبع إسرائيليات استهزأن منه أثناء تأديته للخدمة العسكرية على حدود بلاده.
20 عامًا من أجل عيون الصهاينة
بعد عشرين عامًا -مدة محكومية السجن المؤبد- أفرجت السلطات الأردنية عن الجندي السابق أحمد الدقامسة، الذي عرفه العالم بتنفيذه عملية “الباقورة”، التي شكلت أهم منعطف في حياته؛ وتحول بموجبها من جندي “مجهول” إلى “قاتل” و”إرهابي” لدى البعض، ورمز وطني وبطل قوي لدى غالبية الأردنيين والعرب.
أطلق “الدقامسة” في 13 مارس 1997 النار على طالبات إسرائيليات كن يزرن منطقة الباقورة، فقتل سبعة منهن وجرح أخريات.
وقال الدقامسة خلال محاكمته إن هؤلاء الإسرائيليات استهزأن به وكن يضحكن ويطلق بعض النكات تجاهه أثناء صلاته.
الملك يعتذر.. واستمرار الحبس
ودفعت العملية الملك حسين حينها إلى السفر لإسرائيل وتقديم اعتذار رسمي إلى حكومتها، وتقديم التعازي لأهالي الفتيات وذويهم. وجاءت أيضا بعد ثلاث سنوات من توقيع معاهدة وادي عربة.
ورفضت الحكومات الأردنية المتعاقبة الاستجابة للمطالبات بالإفراج عن الدقامسة، وفي معظم الأحيان لم ترد على هذه المطالبات التي تحولت مع الوقت إلى قضية رأي عام بالأردن، وحتى على مستوى الشارع العربي في أحيان عديدة.
رسالة كل حر
وفي أول تصريح له عقب الإفراج عنه قال “الدقامسة” إن “فلسطين بحاجة لكل عربي ومسلم، وهي بحاجة أيضًا لكل قلم حر”، موجهًا خطابه لمن هاجمه: “اتقوا الله في فلسطين”.
البداية لسليمان خاطر
“هذا الحكم هو حكم ضد مصر؛ لأني جندي مصري أدى واجبه… أنا لا أخشى الموت ولا أرهبه؛ فهو قضاء الله وقدره، لكنني أخشى أن يكون للحكم الذي سوف يصدر ضدي آثار سيئة على زملائي، تصيبهم بالخوف وتقتل فيهم وطنيتهم“.
كانت هذه أولى الكلمات التي نطق بها الجندي المصري “سليمان خاطر” عقب إصدار المحكمة العسكرية ضده حكمًا بالسجن المؤبد لمدة 25 عامًا؛ ليضعه التاريخ بعد ذلك على رأس قائمة مقاومي التطبيع في الوطن العربي.
ولد الجندي سليمان محمد عبدالحميد خاطر عام 1961 بقرية “أكياد البحرية” التابعة لمدينة فاقوس في محافظة الشرقية، وهو الأخير من خمسة أبناء في أسرة بسيطة تعمل بالزراعة. فتّح خاطر عينيه على آثار النكسة في 5 يونيو 1967، وبعدها شهد الهجوم الإسرائيلي على مدرسة بحر البقر بالشرقية 1970، التي استخدمت فيها القوات الجوية الإسرائيلية طائرات الفانتوم الأميركية؛ ليُستشهد أكثر من 30 طفلًا. ثم عاصر نصر أكتوبر 1973.
التحق خاطر بسلاح الأمن المركزي. وبحسب ما نشرت صحيفة الوفد، فإنه في يوم 5 أكتوبر 1985، وأثناء أداء سليمان نوبة حراسته المعتادة بمنطقة رأس برقة جنوب سيناء، فوجئ بمجموعة من السائحين الإسرائيليين يحاولون تسلق الهضبة التي تقع عليها نقطة حراسته، خاطبهم بالإنجليزية بأنه ممنوع العبور لهذه المنطقة فاستمروا بالتسلق فأطلق رصاصات تحذيرية؛ لأن ذلك يُشكّل في العرف العسكري وضعية عدائية وخطرة يجب التعامل معها بإطلاق الرصاص؛ إلا أنهم لم يستجيبوا، وبالفعل أطلق النار عليهم وقتل منهم سبعة أشخاص.
أحيل سليمان خاطر إلى المحاكمة العسكرية، التي حكمت عليه بالسجن المؤبد 25 سنة. وبعد الحادثة بثلاثة أشهر تم نقله إلى السجن الحربي بالقاهرة لقضاء العقوبة الموقعة عليه، وبعدها تم نقله إلى مستشفى السجن بدعوى معالجته من البلهارسيا. وفي 7 يناير 1986 أعلنت الإذاعة ونشرت الصحف خبر “انتحار الجندي سليمان خاطر في ظروف غامضة”، ولم يتم التحقيق في الواقعة وأُغلقت القضية على ذلك.
وأثار النبأ غضب الآلاف من المصريين والعرب، وخرجت مسيرات تطالب بالثأر والقصاص، وتؤكد أن خاطر تم اغتياله ولم ينتحر. وعلى الرغم من مرور 30 عامًا على الحادثة؛ يبقى المرجع لدى معظم المصريين أن سليمان تم اغتياله ولم ينتحر، وأنه جسّد ثورة المصري لكرامته.
التطبيع الأردني
كان من المفترض أن تعمل معاهدة “وادي عربة”، التي تم توقيعها بين إسرائيل والأردن في 26 أكتوبر عام 1994، على تحقيق سلام عادل ودائم وشامل في المنطقة، على أسس من الحرية والمساواة، وتعزيز الموقف الفلسطيني في مطالبته بالقدس، وحق العودة، وإقامة الدولة المستقلة ذات السيادة.
ولكن، كشف الواقع عن أن هذه المعاهدة مثّلت عبئًا ثقيلًا وقيدًا شديد الإحكام على الأردن وفلسطين، وفي الوقت ذاته ظفرت إسرائيل بحدود آمنة لها مع الأردن. وإضافة إلى ذلك، فقد مثّلت هذه المعاهدة التطور الأهم في تاريخ تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية.
اعترفت معاهدة “وادي عربة” بسيادة منقوصة للأردن على أراضيه المحتلة، وتجاهل حقوق الدول العربية في استخدام نهري الأردن واليرموك.
فالمعاهدة اعتراف بسيادة منقوصة للأردن على أراضيه المحتلة، وخلال معالجتها لتنظيم استغلال نهري الأردن واليرموك تجاهلت حقوق الدول العربية الأخرى في هذه الأنهار، وأدخلت إسرائيل طرفًا أساسيًا في تعاون عربي أو إقليمي في مجال تنمية الموارد المائية، وأسست لهيمنة إسرائيلية على موارد المياه في نهر الأردن والأحواض الجوفية.
وبعد التوقيع، سارعت الدول الراعية لما عُرف بالسلام النظري في المنطقة إلى عقد مؤتمرات السلام الاقتصادي في عدة عواصم عربية للترويج لمشاريع كبرى يجري تنفيذها مع “إسرائيل”؛ لتعزيز التنمية في المنطقة. كما تمكنت “إسرائيل” من إيجاد موطئ قدم ثابت لها في قلب الاقتصاد الأردني؛ خاصة في القطاع الزراعي، الذي وجدته مكانًا أمثل لذلك؛ فباتت السوق الأردنية مليئة بمنتجات زراعية إسرائيلية، وخلال العام الماضي فقط 2015 دخل نحو 60 ألف طن من الفواكه والخضار الإسرائيلية إلى الأسواق الأردنية.