بعد ست سنوات من التظاهرات ضد رئيس النظام السوري بشار الأسد، يبدو أنه قد يفوز بالمعركة؛ ولكن الحرب الأهلية بعيدة عن النهاية.
في الوقت الذي يعتقد فيه محللون أن المعركة ستنتهي قريبًا؛ إلا أن قليلين لا زالوا يعتقدون أن بشار يستطيع استعادة الدولة. وكذلك لا يتوقع أحد معاهدة سلام أيضًا. ولكن، لاحظ عديدون توقف إطلاق النار في عديد من الأوقات في بعض المناطق التي قد يتم تقسيمها على نحو فعال بين القوات المتنافسة.
وخلال خمس سنوات من المفاوضات بين الحكومة والمعارضة، توسطتها الأمم المتحدة وأميركا وروسيا وتركيا، فإن التساؤل كان عن إمكانية رحيل بشار. والآن، يعلم الجميع أنه باق؛ رغم أرقام قدرت بمقتل نصف مليون شخص ولجوء نصف السكان إلى دول العالم في أكبر أزمة لاجئين.
وقال روبرت فورد، السفير الأميركي السابق في دمشق، إن بشار لن يرحل، مضيفًا أنه بعد معركة حلب لا توجد فرصة لذلك؛ حيث إنه حقق انتصارًا عسكريًا.
ومنذ دخول روسيا إلى سوريا قبل 18 شهرًا، تحول بشار من مرحلة السقوط إلى موقف القوي؛ حيث تمكن في ديسمبر من السيطرة على المنطقة التي كانت تسيطر عليها قوات المعارضة في حلب، والتي كانت تعد آخر معاقلهم، وكانت هذه نقطة تحول في هذه الحرب.
والآن، تواجه سوريا الوضع نفسه الذي واجهه لبنان على عدة مراحل في الحرب الأهلية التي استمرت من 1975 إلى 1990 عندما تحول إلى قطاعات من المليشيات المتقاتلة مع فترات هدوء طويلة تخللتها قتالات عنيفة.
وقال بشار في حوار له إنه لن يترك سوريا؛ حيث إنه استمر في أحلك الأوقات التي كانت منذ 2012 وحتى 2013، ومن غير المنطقي رحيله الآن.
ومن بين ملايين السوريين اللاجئين والمشردين داخليًا، فإن عديدين لن يعودوا إلى المناطق التي شهدوا فيها عنفًا من قبل شرطة بشار وتلومهم المعارضة بسبب مقتل مئات الآلاف. ورغم ذلك، فإن هناك إجماعًا دوليًا على تأييد قوات بشار؛ ويظهر من خلال الأحداث في القرية الشمالية من مدينة منبج هذا الشهر عندما أرسلت واشنطن قواتها النظامية المعترف بها.
وأُرسلت القوات الأميركية للفصل بين المقاتلين الأكراد الذين تدعمهم أميركا وأعدائهم المقاتلين العرب المدعومين من تركيا. ومن خلال منع أميركا أي تقدم للمتمردين، تم اعتبار هذه الخطوة اعترافًا ضمنيًا بوجود قوات بشار المدعومة من روسيا في المنطقة.
وقال يوجين روجان، أستاذ سياسة الشرق الأوسط الحديثة بجامعة أكسفورد، عن هذا التحرك الأميركي، إن أميركا تتعاون مع روسيا بطريقة ستسهم في انتصار نظام بشار.
وتوقع مراقبون للوضع السوري أن يحاول بشار في النهاية تدمير قوات المتمردين والموجودين في مدينة إدلب الريفية.
ولكن، تبقى قوات بشار عرضة للهجمات من قبل الجماعات المعارضة والجهاديين، مثلما حدث في الهجمات المميتة داخل المدن التي تسيطر عليها الحكومة، وعلى مقرات المخابرات الحربية في حمص وعلى الشيعة العراقية في دمشق؛ وهو ما يؤكد أن التهديد يمكن أن يزيد بسبب رفض الأسد الحلول الوسطى.
وأوضح “تابلر” أن إيران وسوريا تعلمان أن هناك مشكلة بسبب قيود قوات بشار؛ ولذلك تحاولان القيام بصفقة حتى لا تضطرا إلى زيادة قواتهما في سوريا، ما قد يشكل معضلة.
وقال “فورد” بعد مناقشات غير رسمية مع خبراء روسيين إن روسيا تعتقد أن جيش بشار مجهد وسيكون من الصعب على بشار استعادة كل مدن الدولة. موضحًا أن بشار لا يمكن أن يأمل في إدارة سوريا مع ابنه بالحكم الصلب المركزي كما كان يفعل؛ حيث يرى أنه يجب أن يقلل هذه المركزية، مشيرًا أن روسيا اقترحت نظامًا دستوريًا غير مركزي، ولكن بشار رفضه.
والآن، يعتقد أنه حتى بفوز بشار في المعارك وتحقيقه مكاسب إضافية ستظل النتيجة “تقسيم سوريا”. وقال “فورد” إن الطريقة الوحيدة لتجنب هذا التقسيم دون اتفاقية سلام هي استعادة الحكومة السورية الدولة بأكملها؛ ولكنها قد تأخذ سنوات.
وستبقى سيطرة الأسد وحلفائه على المراكز السكانية الرئيسة من حلب في الشمال وحتى درعا في الجنوب، ومن ضمنهم ساحل العاصمة دمشق. ومن غير المحتمل عودة السكان الذين هربوا من هذه المناطق.
ويسيطر المتمردون وتركيا، التي تدعمها على مناطق في أقصى الشمال، في حين أن عدد من المتمردين يحتفظون بجزء كبير في إدلب وغرب حلب. ويسيطر السوريون الأكراد على مناطق في شمال شرق وشمال غرب.
ومن المتوقع أن تشهد السنة القادمة محاولة التخلص من داعش في الرقة ومعقلها في نهر الفرات وشمال شرق سوريا. ويبدو أن أميركا تنوي الاعتماد على المقاتلين الأكراد في هذه المعركة؛ وهو ما أثار استياء تركيا التي تعتبر ما تبقى من القوات السورية الكردية أعداء.
وقال جوشوا لانديس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما، إن استمرار حكم بشار كان مقبولًا من قبل القوات التي دعت من قبل إلى إسقاطه.
ولكن، رأى لانديس وغيره أنه حتى إذا قبل الغرب وجيران سوريا إعادة احتلال بشار لأجزاء من الدولة؛ فإن ذلك لا يعني تقبل المجتمع الدولي له، ويرون أنهم سيضغطون عليه ماليًا.