بعدما منعت إيران حجاجها من أداء فريضة الحج الموسم الماضي، وتبادلت الرياض وطهران الاتهامات بشأن المسؤولية عن ذلك، أعلنت السعودية صباح اليوم الجمعة، أن الحجاج الإيرانيين سيشاركون في موسم الحج المقبل.
وكان يفترض أن يؤدي 64 ألف إيراني مناسك الحج الموسم الماضي، ولكن في نهاية مايو الماضي، أعلنت مؤسسة الحج والزيارة الإيرانية (رسمية)، أن الحجاج الإيرانيين سيحرمون من أداء هذه الفريضة الدينية للعام الجاري.
واعتادت المملكة، أن تصدر سنويًا، تحذيرًا لحجاج إيران من إقامة مراسم البراءة من المشركين، وتقول الرياض، إن تلك المراسم من شروط طهران هذا العام للسماح لمواطنيها بأداء الحج.
وإعلان “البراءة من المشركين” هو شعار ألزم به المرشد الإيراني الراحل، روح الله الخميني، حجاج بيت الله الحرام (من الإيرانيين) برفعه وترديده في مواسم الحج، من خلال مسيرات أو مظاهرات تتبرأ ممن يعتبرونهم مشركين، باعتبار أن الحج يجب أن يتحول من مجرد فريضة دينية عبادية تقليدية إلى فريضة عبادية وسياسية.
والخلافات بين السعودية وإيران حول مسألة الحج ليست وليدة اللحظة، لكنها تمتد إلى عقود سابقة، نتاج تراكم العديد من الأحداث السابقة لها، التي بدأت منذ العام 1986، وقتها أحبط موظفو الأمن والجمارك السعوديون محاولة تهريب 51 كيلوجرامًا من مادة C4 شديدة الانفجار، التي خبأها الحجاج الإيرانيون في حقائبهم، لاستخدامها في تفجير الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة.
وفي 1987، وقعت اشتباكات عنيفة بين مجموعة من الحجاج الإيرانيين وقوات الأمن السعودية في مدينة مكة المكرمة، نتيجة لرفعهم الشعارات السياسية المعادية لأمريكا وإسرائيل، حيث تعد هذه الأحداث هي الأكثر خطورة في تأزم الموقف بين البلدين، حيث طوّقت قوات الشرطة والحرس الوطني السعودي آنذاك جزء من المسار المخطط للمسيرة، ومنع المتظاهرين من العبور، ما أدى إلى تدافع الحجاج بقوة بعد تشابكهم مع قوات الأمن، وهو ما نتج عنه مقتل 402 شخصًا، منهم 275 حاجًّا إيرانيًّا.
وعلى إثرها قطعت الرياض علاقتها الدبلوماسية مع إيران، وتم تقليل العدد المسموح من الحجاج الإيرانيين من 150 ألف حاج إلى 45 ألفًا فقط، وعلى الجانب الآخر قاطعت طهران الحج في المواسم الثلاثة التالية، وهو ما حدث خلال هذا العام بعد مقاطعتها لموسم الحج الحالي.
وتصاعدت الخلافات بين المملكة العربية السعودية وإيران حول حج العام الماضي، في الوقت الذي اتهمت فيه “وزارة الحج والعمرة” طهران بعدم توقيع وفدها المسؤول عن الحجاج على محضر الاتفاق لإنهاء ترتيبات حج هذا العام 1437هـ، وأن إيران حاولت فرض 3 شروط.
وقال رئيس مؤسسة الحج والزيارة الإيراني سعيد أوحدي، إن السعوديين وضعوا شروطا صعبة، لكننا واجهناهم ووضعنا 4 شروط، مضيفا “من حق حجاجنا أن يتوجهوا إلى السعودية لأداء مناسك الحج بعزة”، على حد تعبيره، وهو الأمر الذي يصعد الخلافات بين البلدين قبل موسم الحج.
وقالت “وزارة الحج والعمرة” السعودية، في أول بيان لها باسمها الجديد، إن المملكة العربية السعودية قيادة وحكومة وشعبا ترحب وتتشرف بخدمة ضيوف الحرمين الشريفين من الحجاج والمعتمرين والزوار من جميع الجنسيات، وهذه الخدمة تعدها المملكة أهم واجباتها الإسلامية، مضيفة أن عدد الدول التي يأتي منها حجاج تصل إلى أكثر من 78 دولة ، ومن بين هذه الدول (الجمهورية الإسلامية الإيرانية).
وشرحت “الحج والعمرة”، في بيانها تفاصيل دعوة الوزارة رئيس منظمة الحج والزيارة الإيرانية، سعيد أوحدي، للقدوم إلى المملكة لبحث ومناقشة ترتيبات شؤون ومتطلبات حجاجهم، القادمين لأداء مناسك الحج للعام 1437هـ، ومتابعة آلية قدوم الوفد الإيراني، عن طريق ممثلية المملكة في دبي بدولة الإمارات، وحضور الوفد الإيراني واللقاء معه وبحث كل الأمور المتعلقة بالزيارة وشؤون الحج الإيراني.
وأكدت “الحج والعمرة”، أن وفد شؤون الحج الإيراني رفض التوقيع على محضر الاتفاق لإنهاء ترتيبات حج هذا العام 1437هـ، معللا ذلك برغبته في عرضه على مرجعيتهم في إيران، ومبديا إصرارا شديدا على تلبية مطالبهم المتمثلة في الشروط التالية:
-أن تمنح التأشيرات لحجاجهم من داخل إيران.
-إعادة صياغة الفقرة الخاصة بالطيران المدني، فيما يتعلق بمناصفة نقل الحجاج بين الناقل الجوي الإيراني والناقل الجوي السعودي، ما يعد مخالفة للمعمول به دوليا.
-تضمين فقرات في المحضر تسمح لهم بإقامة دعاء كميل ومراسم البراءة ونشرة زائر، وهذه التجمعات تعيق حركة بقية الحجيج من دول العالم الإسلامي.
ونوّه البيان الرسمي السعودي، بأن الوفد الإيراني غادر المملكة دون التوقيع على محضر الاتفاق لترتيبات حجاجهم لهذا العام 1437هـ، وحول مشكلة منح التأشيرات للحجاج الإيرانيين، قال البيان إنه بالإمكان الحصول على تأشيرات الحج إلكترونيا من خلال إدخال بيانات حجاجهم باستخدام النظام الإلكتروني الموحد لحجاج الخارج.
وفيما يتعلق بتوقف قدوم المعتمرين الإيرانيين من داخل إيران، أشار البيان إلى أن السلطات في المملكة لم تمنع مطلقا المعتمرين الإيرانيين من القدوم، وأن المنع حدث من قبل الحكومة الإيرانية، إذ يتخذون ذلك وسيلة من وسائل الضغط المتعددة على حكومة المملكة العربية السعودية.
وأكد البيان، أن وزارة الحج والعمرة أصدرت هذا البيان لتؤكد مرة أخرى أن المملكة العربية السعودية قيادة وحكومة وشعبا ترحب بكل الحجاج والمعتمرين والزوار من مختلف بقاع العالم ومن مختلف جنسياتهم وانتماءاتهم المذهبية، فهي لا تمنع أي مسلم من القدوم إلى الأراضي المقدسة وممارسة شعائره الدينية، ما دام كان ذلك في إطار الالتزام بالأنظمة والتعليمات المنظمة لشؤون الحج.
وأوضحت إيران، أنّ “عدم كفاءة” السعودية أدى إلى وقوع حادثة التدافع والدهس في 24 سبتمبر في المدينة خلال الحج، وإن 464 من حجاجها قتلوا فيها، وكانت الدولتان سعتا عن طريق التفاوض لـ”حل قضية” الأمن لعدة أشهر، لكنهما فشلتا في إحراز أي تقدم، حسب ما ذكره “علي جنتي”، وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيراني.
ونقلت وكالة “إرنا” الإيرانية الرسمية عن المسؤول الإيراني، قوله “فعلنا ما بوسعنا، غير أن السعوديين أفشلوا الجهود. وليس هناك الآن وقت”، وتأتي تلك التصريحات بشأن الحج، بينما لا يزال التوتر بين البلدين مستمرا منذ 2 يناير، عندما نفذت السعودية حكم الإعدام في رجل الدين الشيعي البارز، نمر النمر، الذي تصفه الرياض بأنه “إرهابي خطير” يثير الانشقاق في الجزء الشرقي، الذي تسكنه أغلبية شيعية، وهذا ما تنفيه أسرة النمر، التي تقول إنه لم يدعُ أبدا للعنف، ولم يحمل سلاحا.
وأثار إعدام النمر احتجاجات واسعة في إيران، وتحولت المظاهرات خارج السفارة والقنصلية السعوديتين في طهران ومشهد إلى احتجاجات عنيفة، اقتحم فيها محتجون المبنيين، وقطعت السعودية، نتيجة لذلك علاقتها الدبلوماسية مع طهران، كما أن كل بلد منهما يؤيد طرفا مختلفا من طرفي الصراع في سوريا وفي اليمن.