بهجوم مفاجئ وغير متوقع، استطاعت المعارضة السورية في هجوم معاكس على قوات النظام ضمن المرحلة الثانية من معركة “يا عباد الله اثبتوا” بوصل حي القابون بحي جوبر في محيط دمشق.
وشنت عدة فصائل معارضة على رأسها جبهة فتح الشام وفيلق الرحمن فجر الأحد، هجوما مباغتا على مواقع قوات النظام في حي جوبر الذي تتقاسم فصائل المعارضة وقوات النظام السيطرة عليه.
ويعد حي جوبر -المتصل بالغوطة الشرقية لدمشق أبرز معاقل المعارضة في ريف دمشق- خط المواجهة الرئيسي بين الطرفين، باعتباره أقرب نقطة إلى وسط دمشق تتمركز فيها المعارضة المسلحة.
“التايمز” البريطانية، اعتبرت أن قتال الثوار الشرس في شمال شرق العاصمة السورية دمشق أخبارًا سيئة للجميع.
وقال محرر الصحيفة ريتشارد سبنسر، إن التقدم الأولي للثوار وشراسة قتالهم، يظهر أنه لا يزال أمام النظام الكثير للقيام به لكسب حرب يخوضها في غياب دعم القوات الروسية والإيرانية.
وأشار إلى أن الثوار قد يشعرون بالرضا من هذا التقدم، لكنه كشف أيضا حدود طموحاتهم، حيث إنهم لم يعودوا يتوقعون سقوط دمشق أو أي مدينة كبيرة أخرى.
أما بالنسبة للعالم الخارجي فقال سبنسر إن التنسيق بين “الجهاديين” والفصائل الأخرى يظهر مدى عمق المستنقع السوري.
مجرمين لا عهد لهم
الإعلامي السوري “عمر مدنية” قال في تصريحات لـ”رصد”: “معركة دمشق أتت بعد تعرض باقي مناطق ريف دمشق لتهجير القسري، واوضحت للجميع مامدى هشاشة ميليشيات الأسد وأن الثوار إن أرادوا أن يتقدموا فسوف يتقدمون”.
وأضاف الإعلامي السوري: “الأمر متروك بيد الثوار أين ما قرروا أن يهاجموا فسوف يهاجمون دون أن يدري أحد، كما تم منح السياسيين ليجربوا انفسهم في المؤتمرات ففشلوا لأن المجرمين ﻻ عهد لهم”.
من جانبه، رأى المحلل والكاتب السياسي، جيري ماهر، المتابع عن كثب للملف السوري، إن ما يجري في دمشق يعتبر “أقوى عملية تستهدف النظام منذ استهداف خلية الأزمة وقتل ضباط ومسؤولي النظام السوري” مضيفا أن مناطق الاشتباك “لم تكن على أطراف العاصمة بل في قلبها وهي لن تتوقف بل ستستمر بوتيرة تصعيدية” دون أن يستبعد فتح جبهات إضافية لتشتيت قوات النظام وقدراته حول العاصمة.
وحول توقيت العملية في ظل أكثر من تطور إقليمي ودولي قال ماهر، في اتصال مع CNN بالعربية: “الوضع في سوريا متجه إلى تغيير جذري، ففي ظل الإدارة الأميركية الجديدة لن يكون هناك تساهل مع النظام والميليشيات الإيرانية، بل أكثر من ذلك، لا نستبعد بدء إرسال سلاح نوعي للثوار في دمشق وريفها، فبعد إفراغ ريف حلب والوعر وغيرها من المناطق من ثوارها وعائلاتها لم يتبق أمام الشعب السوري إلا جبهة دمشق وهي الأقوى المواجهة وتحقيق خرق في شروط التفاوض مع النظام”.
ولاحظ ماهر وجود ما وصفه بـ”صمت روسي تام” على هجمات دمشق، معتبرا أن الأمر يدل على وجود معرفة لدى موسكو بصعوبة إخماد تلك الجبهة بالقصف الجوي مضيفا: “أعتقد أن إدارة (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين تدرك أن الحصار الذي فرضه النظام على سكان جوبر والقابون وغيرهما أدى إلى انفجار كاد أن يتسبب بإنجازات تفوق ما شهدناه امس وتدرك روسيا أنها لا تستطيع بأي شكل من الأشكال مواجهة التسونامي في بدايته وتنتظر نتائجه لتبني على الشيء مقتضاه”.
وربط ماهر بين العمليات في دمشق والتطورات الإقليمية والدولية قائلا: “بعد اجتماع محمد بن سلمان والإدارة الأميركية أعتقد أن شروط المواجهة مع النظام السوري تغيرت بعدة أشكال، قصف اسرائيلي معلن لمرتين متتاليتين وضوء أخضر لثوار سوريا وتحديداً دمشق العاصمة وهي نقطة ارتكاز النظام السوري ومركز قواه”.
وتحدث ماهر عن فرار عشرات الجنود من الخطوط الأمامية للاشتباكات وتزايد القلق في صفوف قوات النظام من عمليات مباغتة وأسر عدد منهم في مناطق الاشتباكات، ولم يستبعد وقوع انشقاقات داخل قوات النظام مع التقدم باتجاه محاور وشوارع أخرى في العاصمة دمشق، ولكنه حض بالمقابل على ترقب ما ستسفر عنه اجتماعات الجامعة العربية ولقاءات الرئيس الأمريكي مع رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، وعبدالفتاح السيسي، والرسائل التي سيوصلها لهما بخصوص النظام السوري.
علامات استفهام
بدوره، قال المحلل السياسي اللبناني نضال السبع، إن معارك دمشق التي اندلعت الأحد على الساعة الخامسة فجرًا، ملفته من حيث توقيتها، وكان جمهور المعارضة يتوقع هذه المعركة خلال معارك حلب أو وادي بردي والوعر، ولكن لم يحصل ذلك.
وأضاف في تصريحات لـ”رصد”: “من هنا علينا وضع علامات استفهام حول التوقيت الملفت، لا شك أن المعارضة باغتت النظام وفاجأته بمئة مقاتل عبر الانفاق أغلبهم من الانغماسيين فسيطروا على عدد من المواقع حتى وصلوا إلى مشارف العباسيين بعد عملتيين انتحاريتين ولكن النظام استوعب الضربة مساء بعد أن دفع بقواته وتمكن من امتصاص الهجوم المباغت”.
وأوضح أنه حتى نفهم هذه العملية لا بد من رصد الأحداث التي سبقت العملية ومنها رفض المعارضة حضور مؤتمر أستانا، وكان واضحًا أن رجب طيب أردوغان لم يمارس ضغوطًا على المعارضة لحضور أستانا كما فعل سابقًا في محاولة منه لرفع السقف والحصول على موقف روسي واضح بموضوع الاكراد إضافة لاطلاق يده في الشمال السوري، من هنا علينا أن لا نتوقع نجاحًا للجولة المقبلة فى جنيف المقررة يوم 23 مارس، فشل أستانا ومعارك دمشق سوف تلقي بظلالها على جنيف المتعثر أصلًا.
وتابع: “النقطة الأحرى التي يجب الإشارة لها والتي سبقت معركة العباسيين هو بيان حركة النجباء العراقية والتي أعلنت يوم 8 مارس من طهران عن تشكيل فيلق لتحرير الجولان السوري، كما أن البيان حذر من تحويل الدول العربية والإسلامية في المنطقة إلى دويلات صغيرة مقابل إسرائيل، هذا البيان هو ردًا على مشروع المجالس المحلية التي يتم تسويقها في منطقة درعا وحوران بدعم من إسرائيل التي تعمل جهدها الآن لإقامة كيان كردي انفصالي في الشمال أيضًا”.
وأضاف: “من هنا علينا أن نفهم حديث الرئيس ترامب عن رغبته باقامة منطقة آمنة في الجنوب وأخرى في الشمال كما علينا أن نضع الغارات التي شنها الطيران الإسرائيلي مؤخرًا والرد عليها من الجانب السوري في هذا السياق”.
وأشار السياسي اللبناني، إلى أن سقوط دمشق بحاجة إلى قرار دولي وهذا غير متوفر، وتصاعد الإرهاب في العالم وظهور “داعش” بدل الأولويات من اسقاط النظام إلى مواجهة الإرهاب، كما أن تدفق اللاجئيين إلى دول العالم جعل المجتمع الدولي يعيد حساباته، وأضاف: “ما كان مطروحًا عام 2012 لم يعد واردًا عام 2017، بيان جنيف1 استبدل بالقرار الدولي 2254 والذي يتحدث عن التشاركية بين النظام والمعارضة، أخيرًا تبقى عملية مشق برغم خطورتها عملية محدودة، إذ لا يمكن اسقاط دمشق بمئة مقاتل.